الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، يوليو 08، 2025

الجزائر في مرآة الفضائح: دولة الريع والاستعراض والمآزق المتعددة: عبده حقي


رغم محاولات النظام الجزائري تقديم نفسه كفاعل «إفريقي» كريم ومؤثر في القارة، إلا أن الواقع يكشف عن صورة مغايرة تمامًا، تطفو فيها على السطح ممارسات لا تمت للتضامن ولا للتنمية بصلة، بل تكشف عن دولة أزمات تتخبط بين الفساد الداخلي، والشعارات الخارجية، والعزلة المتزايدة.

ففي الوقت الذي تعاني فيه البلاد من انهيار اقتصادي واحتقان اجتماعي وتراجع الخدمات الأساسية، أقدم النظام على التلويح بمليار دولار كمساعدات موجهة للدول الإفريقية، فيما سُمي بـ"الكرم الجزائري". غير أن هذا السخاء المزعوم لم يكن إلا غطاءً لمحاولة شراء الولاءات السياسية والدبلوماسية، ضمن سياق المنافسة مع المغرب على النفوذ في القارة، لا سيما بعد أن راكمت الرباط إنجازات اقتصادية ودبلوماسية حقيقية في دول غرب إفريقيا ووسطها، عبر مشاريع استثمارية ملموسة وشراكات تنموية ناجحة.

في المقابل، لم تستطع الجزائر إقناع الأفارقة سوى بالشعارات وبخطاب "التحرر القديم"، مما يطرح السؤال الجوهري: من كسب نقاط التأثير الحقيقي في إفريقيا؟ الجواب يأتي من شركاء الجزائر أنفسهم، حيث تشير التقارير إلى أن مستثمرين صينيين، طالما احتفت بهم الجزائر، قد انسحبوا تدريجيًا ليتوجهوا نحو أسواق أكثر استقرارًا في تونس ومصر، بعدما واجهوا مناخًا خانقًا للاستثمار في الجزائر، تتصدره البيروقراطية، والفساد، وتدخل العسكر في كل شؤون الدولة.

وإذا كانت هذه هي صورة الجزائر في الخارج، فإن الداخل لا يقل سوداوية. قضية عائلة ربراب، التي تُعد من أبرز العائلات الاقتصادية في البلاد، تكشف كيف أن النظام لا يتحمل وجود رأسمال مستقل، ولا يقبل بأي قطب اقتصادي لا يدور في فلك السلطة. فبعد سجن الأب يسعد ربراب، جاء الدور على نجله، فيما تواجه إمبراطورية "سيفيتال" خطر التدمير عبر تضييقات مقصودة واتهامات سياسية مقنّعة.

ومع ذلك، يظل ملف الفساد هو العنوان الأبرز. فـ"مافيا الفوسفات" في الجزائر تمثل نموذجًا صارخًا لتشابك المصالح بين مسؤولين نافذين ورجال أعمال مشبوهين، حيث تفجرت فضيحة ضخمة تتعلق برشى بملايين الدولارات في عقود فوسفات كانت موجهة للتصدير، في واحدة من أكبر ملفات نهب الثروات الوطنية بعد الغاز والنفط.

وتحت غطاء "حكم مدني شكلي"، لا تزال السلطة الفعلية في الجزائر بيد المؤسسة العسكرية، التي أثبتت فشلها الذريع في إدارة الملفات الحيوية، ومنها أزمة النقل البحري، حيث تحولت "الجزائر فِريز" إلى رمز للفساد وسوء الإدارة. هذه الشركة العمومية، التي من المفترض أن تمثل واجهة البلاد في الربط البحري، غرقت في ديون ومشاكل، وسط اتهامات بالتبذير، وتعيينات غير مهنية مرتبطة بولاءات أمنية.

أما على مستوى الحريات الفكرية، فإن قصة الكاتب «بوعلام صنصال» تصلح لوحدها لأن تكون عنوانًا للعزلة الثقافية والسياسية التي تعيشها الجزائر. الكاتب الذي يُعد من أبرز الأصوات المستقلة في المشهد الأدبي، وجد نفسه وسط حملة تخوين وتشويه بسبب مواقفه الناقدة للنظام. بل إن الأزمة مع الاتحاد الأوروبي على خلفية التضييق عليه، تُنذر بتفاقم التوتر بين الجزائر وشركائها الأوروبيين، وهو ما دفع من تبقى من "عقلاء" السلطة إلى محاولة احتواء الوضع، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر اتصالات مع وسطاء ثقافيين ودبلوماسيين.

ووسط هذا المشهد المأزوم، يطل صندوق النقد الدولي برسالة واضحة إلى حكام الجزائر: "توقفوا فورًا عن تبذير أموال بلادكم". الرسالة لم تكن دبلوماسية، بل كانت أقرب إلى صفعة مالية موجعة، تؤكد أن الدولة الجزائرية تنزلق نحو هاوية الإفلاس ما لم تراجع سياساتها الريعية، وتكف عن الإنفاق العبثي على مغامرات دبلوماسية لا جدوى منها.

إن الجزائر اليوم ليست دولة تواجه تحديات تنموية فقط، بل دولة يلتهمها الفساد من الداخل، ويقودها العسكر بسياسات متجاوزة، ويطاردها العزلة في الخارج، وتفضحها أفعالها قبل أقوالها. ومن أراد أن يفهم سبب إخفاقاتها المتكررة في الداخل والخارج، فعليه فقط أن ينظر إلى هذه العناوين التي تكشف، بلا رتوش، هشاشة النظام، وزيف الشعارات، وعبثية المشاريع الكبرى في دولة منهكة من الداخل، تُسرف في شراء الصورة، وتُفقر المواطن، وتكمم صوت المفكر، وتخسر ثقة الحليف.

0 التعليقات: