الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، سبتمبر 26، 2015

عيون تحدق في العتمة : حوارات حول التجربة الإبداعية والحياتية للكاتبة المغربية الزهرة رميج

صدر عن دار النشر سليكي إخوان بطنجة، كتاب بعنوان “عيون تحدق في العتمة”، وهو عبارة عن حوارات حول التجربة الإبداعية والحياتية للأديبة المغربية الزهرة
رميج، ساهم في إجراء هذه الحوارات نخبة من الصحفيين والأدباء: مليكة واليالي، بديعة الأزهري، منير الشرقي، نجاة أبو الحبيب، إدريس علوش، عبد الرحيم العطري، محمد سعيد الريحاني، أحمد علوة، أحمد الدمناتي، سعيدة شريف، عبد الله المتقي، هشام بن الشاوي، حسن الأشرف، حجيبة ماء العينين، عبد العالي بركات، عبده حقي، وفاء صاندي، ليلى بارع، سناء بلحور، سليم النجار، محمد البغوري، خالد أبجيك.
ووضع الأستاذ محمد المساعدي مقدمة لهذا الإصدار، نوردها كما يلي:
إن جوهر الحوار هو الاختلاف، ومجال الاختلاق هو القيم الإنسانية. وتزداد حدة الاختلاف حول هذه القيم عندما يتم تنزيلها من مستوى الشعار إلى محك الواقع، حيث تتدخل المصالح لتكييفها مع الرهانات الشخصية والفئوية. وعلى العموم، يمكن التمييز في هذا المجال بين مواقف مُغْرِضَة تبذل كل ما في وسعها لتحنيط نماذج بعينها وفرضها وكأنها قيم كونية مطلقة، وبين مواقف منفتحة في ظاهرها ومتصلبة في عمقها تؤمن بأن قيمها هي النموذج الأمثل المؤهل للعولمة والتسويق بشتى الطرق. وبين هذه وتلك، توجد مواقف أخرى تؤمن بالتعدد والاختلاف؛ وهي تتسع لتشمل تيارات سياسية ترفع شعار الديمقراطية وتدافع عن الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، ومذاهب فكرية تراهن على نبذ مظاهر التخلف ونشر ثقافة الحوار والتعايش، واتجاهات فنية وأدبية تطمح إلى تحقيق رهان التحرير من خلال استثمارها، أو بالأحرى تفجيرها، لمختلف الأشكال التعبيرية.
انطلاقا من هذا التمهيد المؤطر لكتاب “عيون تحدق في العتمة”، فإن الخلاصة التي ينتهي إليها قارئ الحوارات المجموعة فيه هي أن الزهرة رميح ظلت تدافع عن المواقف التي تؤمن بالتعدد والاختلاف والانفتاح، وتراهن على تحرير الإنسان من مظاهر التخلف؛ إلا أنها عولت على الكتابة واختارتها بديلا عن السياسة، لأنها انتهت- بعدما خبرت السياسة- إلى التسليم بأنها براغماتية بطبعها، في حين تظل الكتابة صرخة في وجه جميع أشكال الظلم والطغيان وتطلعا دائما إلى مزيد من الحرية والانعتاق من شتى أنواع القيود في سبيل الارتقاء بكل من القيم الإنسانية والذوق الرفيع.
والمتأمل للمشهد السياسي المغربي والعربي عموما سينتهي إلى أن مصير الأحزاب والتنظيمات السياسية في ظل الأنظمة المستبدة والعقليات المتخلفة يكاد لا يخرج عن المسارات التالية: فإما أن تبتلعها السلطة وتفرغها من نزعتها التحريرية وتسخرها لخدمة أهدافها الاستبدادية، وإما أن تمارس عليها مختلف أشكال القمع والإقصاء والتقزيم إن هي تمسكت بخيار التغيير الجذري. أما إذا قدر لهذه التنظيمات المتمردة النجاح في كسب رهان الانقلاب على السلطة السائدة، فإنها عوض أن تنكب على تفعيل حلم التغيير الجذري الذي يراهن على تحرير العقليات وترسيخ قيم الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، ينتهي بها المطاف إلى إنتاج سلطة بديلة قد لا يقل جبروتها عن السلطة البائدة إن لم تفقها تسلطا وقهرا.
ويبدو أن عنوان “عيون تحدق في العتمة” الذي اختارته الزهرة رميج لهذه الحوارات، ينطق بهذه الانكسارات السياسية وبالأمل في تحقيق رهان التحرير من خلال الكتابة، وهو ما عبرت عنه بوضوح في حوار من حواراتها حين ألحت على أن الكتابة عندها رهان تحريري إبداعي بديل عن الرهان السياسي الذي انكسر مع انكسار حلم اليسار في إحداث التغيير الجذري المنشود وبناء مجتمع ديمقراطي عادل. ومعنى ذلك أنها انطلقت في مشروعها الإبداعي من التصور الذي بلوره عن الكتابة كل من الكتاب الطليعيون والنقاد والمنظرون والفلاسفة المعاصرون. ووفق هذا التصور فالكتابة الحداثية على الخصوص تظل في جوهرها مناهضة للسلطة، وخصوصا السلطة التي تسكن اللغة؛ فهي تفجر هذه الأخيرة وتحرر مدلولاتها من النماذج المتحجرة الكامنة فيها فتجعل لصمتها دلالات ولإشاراتها إيحاءات أقوى وأعمق من منطوق تعبيراتها، ولا يمكن للقارئ أن يستنطق هذا الصمت ويلامس أبعاد تلك الإشارات إلا إذا كانت له رؤية ثاقبة تتيح له الغوص في أعماق النصوص وإدراك أبعادها الخفية. فالكتابة الحداثية بهذا المعنى لا تكتفي فقط بتغيير رؤيتنا لأنفسنا وللعالم من حولنا ولكنها تحرص أيضا على تغيير عاداتنا في القراءة، ولا يمكن للكاتب أن يكسب هذا الرهان إلا إذا نهل من المعرفة والإبداع الإنسانيين وتشرب من واقعه وخبراته الاجتماعية ما ينمي قدراته التخييلية ويؤهله لأن يصبح نبعا يفيض خلقا وإبداعا.
إن حوارات هذا الكتاب تؤكد أن نبع التجربة الإبداعية للزهرة رميج غزير ومتنوع المشارب؛ فهي تنهل ليس فقط من خبرتها السياسية وعلاقاتها الاجتماعية المنفتحة، وإنما أيضا من مخيلتها الثرية التي لا تقف عند حد بعينه، ومن مهاراتها الفنية المتجددة على الدوام وموسوعتها الثقافية التي تزداد غنى واتساعا بقراءاتها المتنوعة التي تجمع بين الأصيل والمعاصر وتنفتح على الأدب العالمي والفكر الإنساني. وهذه المرجعيات المتنوعة جعلت كتاباتها تجمع بشكل متفرد بين المألوف والطريف؛ فهي تؤمن بأن الإفراط في التجريب من شأنه أن يشوش على علاقة النص بالقارئ، وأن الاكتفاء بالتقليد يقتل الإبداع ويحول النص إلى نسخة تقف عند حدود إعادة إنتاج القيم السائدة، لذلك نجدها تراهن في مشروعها الإبداعي على المألوف لشد انتباه القارئ وعلى الطريف لتغيير أفق توقعه.
إن هذه الموسوعة الثقافية والخبرة الفنية والنزعة التحررية قد تركت بصماتها في حوارات هذا الكتاب. فالحوار، كما هو معلوم، ممارسة تفاعلية لا تتيح فقط للمعارف والمهارات الخروج من الكمون إلى التحقق، ولكنها تستفز أيضا الذاكرة وتحفزها على توليد معارف جديدة أو تجديد معارف قديمة. والمتأمل لهذه الحوارات المرتبة ترتيبا زمنيا سيدرك أنها لا تقف عند مستوى الحديث عن التجربة الإبداعية والترجمية للزهرة رميج، وإنما تتعدى ذلك إلى مراجعة بعض المواقف وتطويرها لمواكبة المستجدات، وكذا التعمق في معالجة قضايا إبداعية ونقدية وفكرية وسياسية واجتماعية شائكة من قبيل: أسئلة الكتابة والقراءة وعلاقة الإبداع بالواقع والمتخيل، وكذا قضايا الترجمة والهوية والخصوصية والانفتاح والتخلف والاستلاب الثقافي والأدوار الطليعية التي يجب على المثقفين الاضطلاع بها للنهوض بالوعي وإعداد المقومات الحضارية لمجتمع ديموقراطي قائم على أساس الحرية والعدالة والكرامة وغيرها من القيم الإنسانية الكونية.
لقد ظلت الزهرة رميج في حواراتها تنادي بمراجعة بعض المواقف التي تسلم ضمنيا بأن الكتابة الذكورية هي الأصل، في حين تظل الكتابة النسائية استثناء يجب وضعه تحت مجهر الدراسة والتحليل لمعرفة خصائصه التي تميزه عن هذا الأصل. لذلك نجدها تدعو كلما طرح عليها سؤال الكتابة النسائية إلى ضرورة تجاوز الهوية الجنسية الضيقة في الكتابة، والدفاع في المقابل عن الهوية الإنسانية الرحبة. فالكتابة عندها ليست ذكورية أو نسائية وإنما هي إنسانية، أي أنها لا تكتسب قيمتها من ارتباطها بهذا الجنس أو ذاك وإنما من مدى قدرتها على الغوص في هذا العمق الإنساني وإدراكها لأبعاده الخفية، وكذا من مدى قدرتها على كسب رهان التغيير والتحرير سواء على مستوى القيم الجمالية أو الثقافية والاجتماعية بوجه عام.
وتجدر الإشارة إلى أن لغة هذه الحوارات لا تخلو أحيانا من نفس إبداعي خصوصا حين تستنفر بعض الأسئلة الطاقة الإبداعية للزهرة رميج، أما حين تستنفر ميولاتها الفكرية وقناعاتها السياسية فإن هذه اللغة الإبداعية تمتزج بأساليب حجاجية تراهن على الإقناع بمختلف آليات الاستدلال والتعليل.
لقد حرصت الزهرة رميج على جعل هذه الحوارات مشفوعة بما أمكنها جمعه من عناوين لدراسات وأبحاث جامعية أنجزها حول أعمالها نقاد أكاديميون متخصصون وقراء هواة عاشقون للإبداع وطلبة باحثون. وإذا كانت أهمية هذه الحوارات تكمن فيما قد تثيره من أسئلة من شأنها أن تفتح التجربة النقدية على آفاق جديدة، فإن ملحق عناوين الدراسات قد يوفر على الباحثين في مجالات من قبيل جمالية التلقي وسوسيولوجيا القراءة الكثير من الجهد والتنقيب…

تقديم د. محمد مساعدي لكتاب الزهرة رميج : ( عيون تحدق في العتمة/ حوارات حول الكتابة والحياة)
منشور في الصفحة الثقافية لجريدة ( بياناليوم )

0 التعليقات: