الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، أغسطس 10، 2021

ملف حول (الكتابة وسؤال التفرغ) اليوم مع الناقد محمد يوب: أعد الملف عبده حقي


الكاتب العربي يحتاج إلى بطاقة إئتمان
 

لا أعتقد أن الكاتب العربي تتوفر لديه فرصة التفرغ للكتابة،لأن هذه الفرصة متاحة للكاتب الغربي الذي تخصص له حكومته كل الظروف الممكنة لإنجاز عمل أدبي يعتبر مشروعا كبيرا يحتاج إلى المال و الوقت و الجو العام المناسب لتحقيقه.

إن الحكومات في هذه الدول تحترم الكتاب وتمكنهم بجميع الوسائل المريحة للقيام ببحث علمي أو أدبي....ولذلك تجد هذه الكتابات أكثر رصانة وأكثر علمية، مشاريع كبيرة ضخمة تخدم الاتجاه القومي العام ومستقبل هذه الدول.

ومسألة التفرغ في دولنا العربية لإنجاز البحوث العلمية و الأدبية لاتتحقق،لأن الدولة لا تتحمل تكاليفها،بل أكثر من هذا إن هذه الدول لا توفر الأرضية المناسبة و الظروف الموضوعية لذلك.

 فالبحوث العلمية و الأدبية في هذه الجامعات العربية ينجزها أصحابها خارج أوقات العمل وعلى نفقاتهم الخاصة،وغالبا ما تتعرض هذه البحوث لعدة صعوبات تقف عائقا أمام تحقيقها.

إن الكاتب العربي يكتب لأنه يريد أن يتصالح مع ذاته ومع الآخرين،إنه يعيش هما معرفيا لابد له من إخراجه إلى الوجود ومشاركة باقي القراء هذا الهم القرائي و المعرفي.

وتعتبر هذه الكتابات بمتابة هموم بدل أن تخرج على شكل صيحات صائتة فإنها تخرج على شكل صيحات صامتة يمررها الكاتب بين سطور النصوص الكتابية.

إن الكاتب العربي مسكون بهم الكتابة،ويعتبرها مشكلته الأساسية يعشقها لأنها جزء لا يتجزأ من حياته.إنه يشعر بهم كبير لابد له من إخراجه قبل أن يموت ،وقد يموت وهو مشغول بهذا الهم،ولم تتوفر لديه المناسبة لاتمام مشروعه،وغالبا ما نجد بأن أغلب الكتاب العرب لم يتمكنوا من تحقيق مشاريعهم الكتابية.

وهذه الصيحات قد تجد من يصغي إليها وقد لا تجد،وإن وجدت القارئ فإنها تعيش اللحظة وتسري بين فئة قليلة من القراء الذين يتقاسمون مع الكاتب هم الكتابة وهم القراءة. 

ومن خلال تجربتي في الكتابة الأدبية و النقدية على الخصوص أجد نفسي محاطا بكثير من العراقيل ومن الاكراهات الزمنية و العائلية وأحيانا المادية، لأن الكتابة تحتاج إلى زاد معرفي،تحتاج إلى كتب دسمة ينبغي اقتناؤها لكتابة موضوع معين،قد تمر أياما تصادف لدي إكراهات الحياة و الظروف العائلية فأضطر للمغامرة لشراء الكتاب بدل توفير حاجيات البيت مما يتسبب في خلق مشاكل كبيرة داخل الأسرة.

فكثيرا ما تطرح علي أسئلة من طرف العائلة لماذا لا تشتري آجورا بدل الكتب على الأقل نتمكن من توسيع بيتنا ونستفيد من هذه الأموال الطائلة التي تدفعها لاقتناء الكتب.

لكن هم الكتابة يدفعني إلى تشييد عالم كبير من البنيات المؤسسة على أكتاف دخائر الكتب وعلى عاتق الكتاب العماليق.بنايات في اعتقادي على الأقل أنها شديدة الصلابة ودائمة قد خلدني وتمد في حياتي لأنني كما قال العقاد أريد أن أعيش أكثر من حياة. 

إن الحاجة أم الاختراع كما يقال فما يدفعني ككاتب ومهتم بالشأن الثقافي هو الرغبة في إشباع حاجة معرفية داخلية أشعر بها لابد لي من إشباعها كما الجوع،إنني كلما ضاقت بي سبل الحياة وسادت في عيني آفاق المستقبل أتوجه إلى الكتابة للتعبير عما أحسه في داخلي لأنني أجد نفسي مسكونا بهم لابد لي من إزاحته ومشاركته مع القارء.

لأن الكتابة بشكل عام هم مشترك نتقاسمه جميعا ،والوحيد الذي بمقدوره التعبير عنه هو الكاتب لأنه يتوفر على ملكة اللغة المعبرة التي تنقص الانسان العادي.إنني أعبر بلسان القارئ أتكلم نيابة عنه وأشرح للناس همومه ومشاغيله.

وبقدر ما تحمله الكتابة من هم بقدر ما تحمله من جمالية تحبب القراءة في نفوس الناس وكأنها تتقاسم معهم قطعة رغيف أو شربة ماء،إنها تشعرهم بأن هناك أناس يعيشون همهم ويشعرون بما يؤلمهم ويفرحهم ويحزنهم.

فالكتابة بالنسبة لي طاقة وهبة يهبها الله تعالى لمن يشاء من عباده،نعمة مقدسة تساهم في رتق فسيفساء الواقع وهموم الانسان،تتبع تفاصيل الحياة وهموم النفس الانسانية،تخرج من القلب لتصل إلى القلب دون إذن ودون تصريح.

وهكذا بالنسبة لي لا أعتقد أن الكاتب العربي يحتاج إلى بطاقة كاتب بقدر حاجته إلى أوراق بيضاء يدون عليها كتاباته، لأننا لم نصل بعد إلى هذا الكاتب الذي تقدره حكومته وتوفر له الجو العام لمشروعه الثقافي و المعرفي.

إن الكاتب العربي يحتاج إلى بطاقة ائتمان لشراء قرطاسية أوراق وعلبة سجائر وعلبة سرديل يسد بها رمقه،إنه في عالم غير عالمه وكأنه من كوكب آخر يقتات من عصارة فكره كالمرأة العفيفة التي تأكل من تديها.