الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، أغسطس 26، 2024

دور الراديو في الاتصالات في حالات الطوارئ: عبده حقي


في عصر تهيمن عليه الاتصالات الرقمية، يظل الراديو أداة بالغة الأهمية في حالات الطوارئ. فمرونته وسهولة الوصول إليه وانتشاره الواسع يجعله عنصراً لا غنى عنه لنشر المعلومات الحيوية أثناء الكوارث والأزمات. ويستكشف هذا المقال دور الراديو في الاتصالات في حالات الطوارئ من خلال دراسة دراسات الحالة وتحديد أفضل الممارسات التي تؤكد أهميته.

لقد كان الراديو وسيلة أساسية للاتصال منذ نشأته في أوائل القرن العشرين. وخلال الحرب العالمية الثانية، كان بمثابة المصدر الأساسي للمعلومات، حيث قدم تحديثات عن المجهود الحربي، وتعليمات السلامة، والمحتوى الذي يرفع الروح المعنوية. وأصبح دور الراديو في الاتصالات الطارئة أكثر وضوحًا أثناء الكوارث الطبيعية والأزمات الأخرى. وقد ضمنت قدرته على الوصول إلى السكان النائيين والمحرومين، إلى جانب بنيته التحتية البسيطة نسبيًا، استمرار أهميته في مواجهة التقنيات الأحدث.

في العديد من أنحاء العالم، يعد الراديو الوسيلة الوحيدة القادرة على الوصول إلى أعداد هائلة من السكان أثناء حالات الطوارئ. على سبيل المثال، في البلدان النامية حيث يكون انتشار الإنترنت منخفضًا، يظل الراديو المصدر الأساسي للمعلومات. إن قدرته على العمل بأقل قدر من الطاقة - في بعض الأحيان بضع بطاريات فقط - تجعله ذا قيمة خاصة عندما تنقطع أشكال الاتصال الأخرى.

إن كارثة تسونامي المحيط الهندي عام 2004 هي واحدة من الكوارث الطبيعية الأكثر تدميراً في التاريخ الحديث، حيث أودت بحياة أكثر من 230 ألف شخص في 14 دولة. وفي أعقاب الكارثة مباشرة، تضررت البنية الأساسية للاتصالات بشدة، مما أدى إلى حرمان الملايين من الوصول إلى المعلومات الحيوية. وفي هذا السياق، برز الراديو كأداة أساسية لنشر المعلومات الطارئة.

وفي إندونيسيا، البلد الأكثر تضرراً، لعبت محطات الإذاعة المحلية دوراً حاسماً في تنسيق جهود الإنقاذ، وتقديم التحديثات بشأن الأشخاص المفقودين، وتقديم الإرشادات بشأن أماكن العثور على المأوى والمساعدة. وكانت محطات الإذاعة المجتمعية، على وجه الخصوص، مفيدة في الوصول إلى المناطق النائية التي انقطعت عن أشكال الاتصال الأخرى. وكانت قدرة الإذاعة على البث باللغات المحلية تضمن أن تكون المعلومات متاحة للجميع، بغض النظر عن مستواهم التعليمي أو قدرتهم على الوصول إلى وسائل الإعلام الأخرى.

تسلط دراسة الحالة هذه الضوء على أهمية محطات الإذاعة المجتمعية في حالات الطوارئ. إذ تسمح طبيعتها المحلية لها بتخصيص المحتوى وفقًا للاحتياجات المحددة لجمهورها، مما يجعلها أكثر فعالية من محطات البث الوطنية في بعض السياقات.

إن إعصار كاترينا، الذي ضرب ساحل الخليج في الولايات المتحدة في عام 2005، شكل مثالاً آخر على الدور الحاسم الذي تلعبه أجهزة الراديو في الاتصالات الطارئة. فقد تسبب الإعصار في دمار واسع النطاق، وخاصة في نيو أورليانز، حيث أدى فشل السدود إلى فيضانات كارثية. وتعرضت شبكات الاتصالات للإرهاق، وتقطعت السبل بالعديد من السكان دون الوصول إلى المعلومات.

خلال هذه الأزمة، أصبحت محطات الراديو بمثابة شريان حياة للسكان المتضررين. فقد قدمت محطات البث المحلية والوطنية تغطية مستمرة للكارثة المتكشفة، وعرضت تحديثات في الوقت الفعلي عن تقدم الإعصار، وأوامر الإخلاء، وجهود الإغاثة. ولعبت محطات الراديو العامة، على وجه الخصوص، دورًا مهمًا في نشر المعلومات لأولئك الذين حوصروا في منازلهم أو ملاجئهم.

إن أحد الدروس الرئيسية المستفادة من إعصار كاترينا هو أهمية التعاون بين محطات الراديو ووكالات إدارة الطوارئ. فمن خلال العمل معًا، تمكنت هذه المحطات من ضمان بث معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب لمن يحتاجون إليها. كما ساعد هذا التعاون في مكافحة انتشار المعلومات المضللة، والتي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الذعر والارتباك أثناء الأزمات.

لقد سلط زلزال هايتي عام 2010، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 ألف شخص، الضوء على أهمية الراديو في بلد يعاني من محدودية البنية الأساسية للاتصالات. فقد دمر الزلزال الكثير من البنية الأساسية الهشة بالفعل، مما جعل من الصعب تنسيق جهود الإغاثة والتواصل مع السكان المتضررين.

في أعقاب الزلزال، أصبحت محطات الراديو في هايتي المصدر الرئيسي للمعلومات للجمهور. وواصلت محطات مثل راديو لوميير وراديو تيلي جينين البث على الرغم من الدمار، حيث قدمت معلومات أساسية حول أماكن العثور على الطعام والمياه والمساعدة الطبية. كما أنشأت المنظمات الدولية محطات إذاعية مؤقتة للمساعدة في جهود الإغاثة.

وتؤكد هذه الحالة على الحاجة إلى الاستعداد والقدرة على الصمود في البنية الأساسية للإذاعة. فقد تمكنت المحطات التي كانت لديها خطط طوارئ وأنظمة احتياطية من مواصلة البث، في حين اضطرت محطات أخرى إلى التوقف عن البث. كما أثبت استخدام أجهزة الراديو المحمولة والفضائية أهميته البالغة في الوصول إلى المناطق التي دمرت فيها البنية الأساسية للإذاعة التقليدية.

توضح دراسات الحالة المذكورة أعلاه الدور الحاسم الذي يلعبه الراديو في الاتصالات في حالات الطوارئ. واستنادًا إلى هذه الأمثلة، يمكن تحديد العديد من أفضل الممارسات:

الاستعداد والقدرة على الصمود : يجب أن يكون لدى محطات الراديو خطط طوارئ لضمان قدرتها على الاستمرار في البث أثناء حالات الطوارئ. ويشمل ذلك وجود مصادر طاقة احتياطية ومعدات محمولة وقنوات اتصال احتياطية.

التوطين والمشاركة المجتمعية : غالبًا ما تكون محطات الراديو المجتمعية أكثر فعالية في حالات الطوارئ نظرًا لقدرتها على تخصيص المحتوى وفقًا للاحتياجات المحددة لجمهورها. إن التواصل مع المجتمع المحلي قبل حدوث الأزمة يمكن أن يساعد في بناء الثقة وضمان النظر إلى المحطة كمصدر موثوق للمعلومات.

التعاون مع وكالات الطوارئ : ينبغي لمحطات الراديو أن تتعاون بشكل وثيق مع وكالات إدارة الطوارئ لضمان بث المعلومات الدقيقة وفي الوقت المناسب للجمهور. ويمكن أن يساعد هذا التعاون في مكافحة المعلومات المضللة وضمان تلقي الجمهور لرسائل متسقة.

استخدام لغات متعددة : في المجتمعات المتعددة اللغات، من الضروري بث المعلومات الطارئة بجميع اللغات ذات الصلة لضمان حصول الجميع على المعلومات الهامة. وهذا مهم بشكل خاص في البلدان ذات التركيبة السكانية المتنوعة أو المجتمعات المهاجرة الكبيرة.

التكامل مع التقنيات الحديثة : في حين يظل الراديو أداة حيوية في الاتصالات في حالات الطوارئ، فإنه يمكن أن يكون أكثر فعالية عند دمجه مع التقنيات الحديثة. على سبيل المثال، يمكن لمحطات الراديو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتكملة بثها والوصول إلى جمهور أوسع. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد استخدام الرسائل النصية وغيرها من المنصات الرقمية في تعزيز الرسائل الراديوية وتوفير قنوات إضافية للاتصال.

لا يزال دور الراديو في الاتصالات الطارئة حيويا اليوم كما كان قبل عقود من الزمان. وعلى الرغم من صعود وسائل الإعلام الرقمية، فإن سهولة الوصول إلى الراديو ومرونته وقدرته على الوصول إلى السكان المتنوعين تجعله أداة لا يمكن الاستغناء عنها في أوقات الأزمات. وتوضح دراسات الحالة الخاصة بتسونامي المحيط الهندي عام 2004، وإعصار كاترينا، وزلزال هايتي عام 2010 الدور الحاسم الذي يمكن أن يلعبه الراديو في إنقاذ الأرواح وتنسيق جهود الإغاثة. ومن خلال اتباع أفضل الممارسات مثل الاستعداد والتوطين والتعاون والتكامل مع التقنيات الحديثة، يمكن للراديو أن يستمر في العمل كشريان حياة للمجتمعات في أوقات الحاجة.


0 التعليقات: