الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، ديسمبر 13، 2024

تداعيات سقوط بشار الأسد على منطقة المغرب العربي : عبده حقي


لقد أحدث الانهيار المفاجئ لنظام الرئيس السوري بشار الأسد موجات صدمة في أنحاء العالم العربي، ولا سيما في بلدان المغرب العربي الجزائر والمغرب وتونس. وقد تفاعلت كل دولة على أساس موقفها السياسي الفريد ومصالحها الاستراتيجية، الأمر الذي كشف عن ترابطات معقدة وتوترات كامنة في المنطقة. وقد أبرز هذا التحول الدرامي للأحداث الانقسامات القديمة في حين طرح تحديات أمنية جديدة. معضلة الجزائر: حليف تاريخي في حالة من الاضطراب لقد دعمت الجزائر، الحليف الثابت والقار لسوريا، الأسد تقليديا بسبب مرجعيات أيديولوجية مشتركة في القومية العربية ومعاداة الإمبريالية. وحتى مع تأرجح نظام الأسد على حافة الهاوية، ظل خطاب الجزائر ثابتا، ووصف المتمردين السوريين بأنهم "إرهابيون" ومعارض للتدخلات الخارجية. ومع ذلك، أجبر سقوط الأسد على إعادة ضبط المواقف. لقد دعت الجزائر إلى حوار سوري شامل خالٍ من التدخل الأجنبي، في محاولة للحفاظ على صورتها كوسيط نزيه مع الحفاظ على محاذاة أيديولوجية. وترى الصحافة الجزائرية والنخب السياسية أن سقوط الأسد قد يكون نذيرًا محتملًا لانتشار العدوى الديمقراطية.

ومن الممكن أن يشجع الانتقال الناجح إلى الديمقراطية في سوريا حركات المعارضة في جميع أنحاء العالم العربي، وهو السيناريو الذي يثير المخاوف بشأن النظام الاستبدادي في الجزائر. وتتفاقم هذه المخاوف بسبب الانتقادات من وسائل الإعلام المغربية، التي تفسر موقف الجزائر على أنه أعراض للخوف وليس التضامن.

المسافة المحسوبة للمغرب إن العلاقة المتوترة بين المغرب وسوريا تسبق الاضطرابات الأخيرة، والتي تتجذر في الاختلافات الإيديولوجية والأولويات الدبلوماسية المتنافسة. لقد أدى اعتراف سوريا بما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ودعمها لجبهة البوليساريو إلى تأجيج العداء بين الرباط ودمشق لفترة طويلة. وأضاف تطبيع المغرب للعلاقات مع إسرائيل في عام 2020 أزمة أخرى من التعقيد، مما أدى إلى محاذاة الرباط مع القوى التي اعتبرها نظام الأسد خصومًا.

في ضوء سقوط الأسد، أعربت المغرب عن تفاؤل حذر، مؤكدة على الآمال في الاستقرار والسيادة في سوريا. ويؤكد هذا الموقف على المنهج البراجماتي الذي تتبناه الرباط في السياسة الخارجية، وموازنة تنافساتها الإقليمية مع التطلعات إلى شرق أوسط تعاوني وآمن. كما يسمح هذا التطور للمغرب بتحدي دعم الجزائر للأسد بشكل غير مباشر، مما يسلط الضوء على المسارات المتناقضة للدولتين في مشاركاتهما الإقليمية.

لعبة الحبل المشدود في تونس تميز نهج تونس في التعامل مع الأزمة السورية بمزيج من الحذر. ففي عهد الرئيس قيس سعيد، أعادت تونس العلاقات الدبلوماسية مع سوريا في عام 2023، مما يشير إلى تحول براجماتي بعد سنوات من القطيعة. ومع ذلك، أثارت التغييرات السريعة في دمشق ردود فعل متباينة داخل تونس.

وبينما كانت إدارة سعيد حذرة، احتفلت المعارضة التونسية بإطاحة الأسد باعتبارها انتصارًا ضد الطغيان وخطوة نحو العدالة. كما يثير سقوط الأسد مخاوف أمنية ملحة بالنسبة لتونس.

لقد واجهت البلاد تحديات بسبب عودة المتشددين التونسيين الذين انضموا إلى الجماعات المتطرفة في سوريا، وخاصة هيئة تحرير الشام. ويشكل هؤلاء الأفراد تهديدًا كبيرًا، مما يستلزم تعزيز استراتيجيات المراقبة وإعادة الإدماج. بالإضافة إلى ذلك، تظل تونس حذرة من الآثار الجانبية التي قد تزعزع استقرار منطقة المغرب العربي الأوسع. المخاوف المشتركة والتداعيات الإقليمية على الرغم من وجهات نظرها المختلفة، تشترك الجزائر والمغرب وتونس في مخاوف مشتركة نابعة من انهيار الأسد. ومن أهم هذه المخاوف عودة النشاط الإرهابي المحتملة.

تعمل مجموعات مثل هيئة تحرير الشام، التي تسعى إلى إعادة تصنيفها كجهات فاعلة معتدلة، على تعقيد الجهود الرامية إلى معالجة التهديدات الأمنية. إن عودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم الأصلية تعمل على تضخيم خطر التطرف والعنف المحلي. وعلاوة على ذلك، يؤكد سقوط الأسد على هشاشة هياكل الدولة في الشرق الأوسط، مما يثير تساؤلات حول الآثار الأوسع نطاقًا على الحكم والاستقرار.

بالنسبة للمغرب العربي، تعمل الأزمة السورية كقصة تحذيرية حول مخاطر الصراع المطول والتدخل الخارجي. كما يكشف عن الحاجة إلى التعاون الإقليمي في معالجة التحديات المشتركة، حتى في خضم التنافسات السياسية. المغرب المنقسم في عالم عربي مجزأ تعكس ردود الفعل المتباينة للجزائر والمغرب وتونس على سقوط الأسد انقسامات أوسع داخل العالم العربي. إن دعم الجزائر الثابت للأسد يجعلها في صف التيارات التقليدية والمعادية للإمبريالية، في حين يؤكد موقف المغرب على انحيازه إلى الكتل البراجماتية والموالية للغرب. وفي الوقت نفسه، تحتل تونس موقعا وسطا، حيث توازن بين الضغوط المحلية والديناميكيات الإقليمية. وترمز هذه الانقسامات إلى الطبيعة المجزأة للتضامن العربي في مواجهة الأزمات. ويسلط الافتقار إلى استجابة موحدة للوضع السوري الضوء على تحديات تعزيز التماسك بين العرب.

الواقع أن سقوط بشار الأسد أعاد تشكيل المشهد الجيوسياسي في المغرب العربي، وكشف عن التفاعل بين الإيديولوجية والمخاوف الأمنية والمصالح الاستراتيجية. ويوضح ولاء الجزائر للأسد، والمسافة المحسوبة للمغرب، والبراغماتية الحذرة لتونس، النهج المتنوع الذي تتبناه دول المغرب العربي في مواجهة التحدي المشترك. وبينما تتنقل هذه الدول في أعقاب الأزمة، يتعين عليها أن تتصارع مع الحتميات المزدوجة المتمثلة في حماية أمنها والمساهمة في الاستقرار الإقليمي. وبالنسبة للمغرب العربي، فإن الأزمة السورية ليست مجرد صراع بعيد، بل هي تذكير قريب بتعقيدات الحكم والسيادة والتضامن في عالم عربي مضطرب. إن كيفية استجابة الجزائر والمغرب وتونس لهذه التحديات لن تؤثر على مساراتها الداخلية فحسب، بل وأيضاً على أدوارها في منطقة تسعى جاهدة إلى التوفيق بين انقساماتها وتشكيل مسار جماعي إلى الأمام.

0 التعليقات: