الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، ديسمبر 13، 2024

هل يستطيع الذكاء الاصطناعي قراءة مشاعرك؟


خلال السنوات الأخيرة، تطورت تقنيات الذكاء الاصطناعي بسرعة فائقة، حيث أصبح بإمكان هذه الأنظمة معالجة الصور والنصوص وفهمها بشكل متزايد العمق والتعقيد. شركة جوجل، في خطوة جديدة، أعلنت عن نموذجها الحديث "PaliGemma 2"، وهو تطور تقني مميز قادر على تحليل الصور ليس فقط من خلال التعرف على الأجسام والأشخاص، بل أيضًا بتفسير السياقات العامة والمشاعر الظاهرة في الصور.

يتيح نموذج "PaliGemma 2" لجوجل تجاوز المهام التقليدية في تحليل الصور ليشمل إنتاج أوصاف تفصيلية حول الأفعال، والسياقات، وحتى المشاعر التي تعبر عنها الأفراد في الصور. وفقًا لما أوضحته الشركة، فإن هذا التطور يمهد الطريق لفهم أعمق للعالم البصري، مما يعزز القدرات على تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجالات عديدة تشمل التجارة الإلكترونية، الرعاية الصحية، والتعليم. ولكن مع هذه الإنجازات التقنية، تنشأ تساؤلات عميقة تتعلق بمدى دقة هذه التقنية وأخلاقيات استخدامها.

المشاعر البشرية، بتركيبتها المعقدة والمتعددة الأبعاد، تمثل تحديًا كبيرًا لأنظمة الذكاء الاصطناعي. فعلى الرغم من إمكانية رصد بعض الإشارات الواضحة مثل الابتسامات أو تعابير الحزن، فإن هذه المؤشرات لا تعبر دائمًا عن الجوهر العاطفي الحقيقي للفرد. علماء مثل ساندرا واتشر من جامعة أكسفورد أشاروا إلى أن قدرة الذكاء الاصطناعي على قراءة المشاعر تظل مثيرة للقلق بسبب الطابع الشخصي والاجتماعي للمشاعر الذي يصعب على الآلة فهمه.

إحدى المشكلات البارزة في تقنيات كشف المشاعر هي التحيزات المتأصلة في البيانات المستخدمة لتدريب النماذج. أظهرت دراسات أن هذه الأنظمة قد تميل إلى تصنيف تعابير معينة أو وجوه من خلفيات عرقية محددة بشكل غير دقيق. على سبيل المثال، في دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ظهر أن بعض نماذج الذكاء الاصطناعي كانت أكثر عرضة لارتكاب أخطاء عند تحليل تعابير وجوه تنتمي إلى أعراق معينة. هذه النتائج تسلط الضوء على التحديات التقنية الكبيرة التي تواجه المطورين في بناء أنظمة عادلة وشاملة.

بينما يفتح "PaliGemma 2" الباب أمام تطبيقات مبتكرة، مثل تحليل الصور الطبية أو التفاعل الذكي مع العملاء في التجارة الإلكترونية، فإن التحديات الأخلاقية لا يمكن تجاهلها. هل يمكن أن تُستخدم هذه التقنية لاتخاذ قرارات متحيزة في التوظيف أو التعليم؟ وهل يمكن ضمان أن لا تُستغل لأغراض غير أخلاقية؟

تشير هايدي خلاف، وهي خبيرة في آثار الذكاء الاصطناعي على المجتمعات، إلى أن إمكانية استغلال هذه التكنولوجيا لأغراض تمييزية تمثل تهديدًا كبيرًا. وتؤكد أن قراءة المشاعر تعتمد بشكل كبير على السياقات الثقافية والشخصية، ما يجعل قياسها بدقة أمراً صعباً ومثيراً للجدل.

رغم تأكيد جوجل على إجراء اختبارات مكثفة لنموذجها، إلا أن هناك تساؤلات حول مدى شفافية هذه التقييمات. لم تكشف جوجل عن تفاصيل كافية حول المعايير المستخدمة لتقييم "PaliGemma 2"، مما يترك مجالاً للشكوك حول كفاءة النموذج في مواجهة تحيزات معينة أو فهم السياقات الثقافية المختلفة.

مع تصاعد القلق العالمي حول تأثيرات تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصدرت بعض الدول، مثل الاتحاد الأوروبي، قوانين تحد من استخدام أنظمة كشف المشاعر في سياقات حساسة مثل التعليم والتوظيف. هذه الإجراءات تهدف إلى حماية الأفراد من القرارات غير المنصفة التي قد تنجم عن استخدام هذه التكنولوجيا.

على الرغم من التحديات والمخاوف، يمكن لتقنيات مثل "PaliGemma 2" أن تساهم في تحسين جودة حياة البشر إذا ما تم استخدامها بشكل مسؤول. تحتاج الشركات إلى اتباع سياسات واضحة لضمان الشفافية والمساءلة، مع مواصلة البحث العلمي لفهم حدود هذه التقنيات بشكل أفضل.

في النهاية، يمثل تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على تحليل الصور والمشاعر خطوة مثيرة في عالم التكنولوجيا، لكنها في الوقت ذاته تستدعي دراسة عميقة وحوارًا مجتمعيًا واسعًا لضمان استخدامها بأمان وعدالة. فقط من خلال التوازن بين الابتكار والمسؤولية، يمكن لهذه التقنيات أن تحقق إمكاناتها الكاملة في خدمة الإنسان.

0 التعليقات: