فِي أُفُقٍ ثَقَافِيٍّ مُتَنَوِّعٍ يَتَّسِعُ لِلْإِبْدَاعِ وَالْفِكْرِ وَالْمَوْقِفِ، تُوَاصِلُ السَّاحَةُ المَغْرِبِيَّةُ وَالعَرَبِيَّةُ تَسْجِيلَ حُضُورِهَا النَّوْعِيِّ فِي مُخْتَلَفِ مَجَالَاتِ الفَنِّ وَالْأَدَبِ وَالْفِكْرِ. فَقَدْ عَبَّرَتْ مَجَلَّةُ بَيْتِ الشِّعْرِ عَنْ مَوْقِفٍ إِنْسَانِيٍّ وَاضِحٍ حِينَ نَدَّدَتْ بِوَحْشِيَّةِ الإِبَادَةِ فِي العَالَمِ، مُؤَكِّدَةً أَنَّ الشِّعْرَ لَيْسَ تَرَفًا لُغَوِيًّا بَلْ شَهَادَةٌ عَلَى الحَيَاةِ وَمُقَاوَمَةٌ لِلْجَرِيمَةِ. هٰذَا المَوْقِفُ يُعِيدُ لِلشِّعْرِ رِسَالَتَهُ الأَخْلَاقِيَّةَ الأَصِيلَةَ الَّتِي تَرْبِطُ بَيْنَ الكَلِمَةِ وَالضَّمِيرِ، وَتُعِيدُ إِلَى المَشْهَدِ الثَّقَافِيِّ المَغْرِبِيِّ نَبْرَتَهُ المُلتَزِمَةَ الَّتِي لَا تَنْفَصِلُ عَنْ هُمُومِ الإِنسَانِيَّةِ.
وَفِي سِيَاقٍ مُوَازٍ، شَهِدَتِ السَّاحَةُ السِّينِمَائِيَّةُ المَغْرِبِيَّةُ حَدَثًا مُمَيَّزًا مَعَ عَرْضِ فِيلْمِ «المَسِيرَةِ» الَّذِي يَعُودُ إِلَى الشَّاشَةِ فِي لَحْظَةٍ رَمْزِيَّةٍ تَزَامَنَتْ مَعَ اقْتِرَابِ الذِّكْرَى الخَمْسِينَ لِلمَسِيرَةِ الخَضْرَاءِ، لِيُقَدِّمَ قِرَاءَةً بَصَرِيَّةً جَدِيدَةً لِمَلْحَمَةِ الوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، يُوَاصِلُ الإِبْدَاعُ النِّسَائِيُّ حُضُورَهُ البَارِزَ فِي العَمَلِ السِّينِمَائِيِّ المَغْرِبِيِّ مِنْ خِلَالِ فِيلْمِ «أَرْبَعُ نِسَاءٍ فِي السِّينِمَا المَغْرِبِيَّةِ» الَّذِي يُشَكِّلُ مُخْتَبَرًا إِنسَانِيًّا مَفْتُوحًا عَلَى أَسْئِلَةِ الهُوِيَّةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالجَمَالِ، حَيْثُ يَتَقَاطَعُ الذَّاتِيُّ بِالْجَمْعِيِّ فِي تَجْرِبَةٍ تَنْسِجُ مَلَامِحَ المَرْأَةِ المَغْرِبِيَّةِ فِي مِرْآةِ الفَنِّ السَّابِعِ.
أَمَّا فِي مَجَالِ النَّقْدِ السِّينِمَائِيِّ، فَقَدْ أَعَادَ الفِيلْمُ الوَثَائِقِيُّ «المَلَاكُ المَنْبُوذُ بَارَاجَانُوف» اسْتِحْضَارَ الإِيمَانِ بِالرَّمْزِ وَالذَّاكِرَةِ فِي الفَنِّ، مُبْرِزًا قُدْرَةَ الصُّورَةِ عَلَى تَجَاوُزِ المَنْعِ السِّيَاسِيِّ وَالرَّقَابَةِ، لِتَتَحَوَّلَ السِّينِمَا إِلَى لُغَةٍ رُوحِيَّةٍ تَتَنَفَّسُ الشِّعْرَ وَالتَّمَرُّدَ. وَفِي المُقَابِلِ، غَابَتِ الفَنَّانَةُ الزُّعَيْمِي عَنْ المَوْسِمِ الجَدِيدِ مِنْ مُسَلْسَلِ «بَنَاتِ لَالَّةِ مَنَانَة»، وَهُوَ الغِيَابُ الَّذِي أَثَارَ تَسَاؤُلَاتِ الجُمْهُورِ حَوْلَ مَسَارِ المُسَلْسَلِ وَشَخْصِيَّاتِهِ النِّسَائِيَّةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ جُزْءًا مِنَ الذَّاكِرَةِ التِّلْفِزْيُونِيَّةِ المَغْرِبِيَّةِ.
وَفِي حَقْلِ الجَمَالِ وَالثَّقَافَةِ الشَّعْبِيَّةِ، خُطَّتْ صَفْحَةٌ جَدِيدَةٌ بِفَوْزِ شَابَّةٍ مَغْرِبِيَّةٍ بِلَقَبِ مَلِكَةِ جَمَالِ العَرَبِ، فِي تَتْوِيجٍ يُعَبِّرُ عَنْ الحُضُورِ المُتَزَايِدِ لِلمَرْأَةِ المَغْرِبِيَّةِ فِي فَضَاءَاتِ الجَمَالِ وَالفِكْرِ مَعًا، كَصُورَةٍ رَمْزِيَّةٍ عَنْ حَدَاثَةٍ لَا تُقْصِي الأَصَالَةَ. وَفِي الإِطَارِ اللُّغَوِيِّ، أَطْلَقَتْ مُبَادَرَةُ «مُنْتَدَيَات» مَشَارِيعَ جَدِيدَةً لِدَعْمِ مَكَانَةِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ فِي إِفْرِيقِيَا، تَأْكِيدًا عَلَى عُمُقِ الرَّوَابِطِ الثَّقَافِيَّةِ وَاللُّغَوِيَّةِ بَيْنَ المَغْرِبِ وَعُمُقِهِ الإِفْرِيقِيِّ.
وَمِنْ رَحِمِ الشِّعْرِ، أَعْلَنَ الشَّاعِرُ عَبْدُالسَّلَامِ الوَرَارِي عَنْ صُدُورِ دِيوَانِهِ الجَدِيدِ الَّذِي يَحْمِلُ بَصْمَتَهُ اللُّغَوِيَّةَ المُتَمَيِّزَةَ، وَيُعِيدُ تَرْتِيبَ العَلَاقَةِ بَيْنَ الذَّاتِ وَالقَصِيدَةِ وَالوَاقِعِ. وَفِي الإِطَارِ ذَاتِهِ، أَثَارَ مَقَالٌ بِعُنْوَانِ «مَحْوُ الأُمِّيَّةِ وَسُؤَالُ العُزُوفِ عَنِ القِرَاءَةِ: أُمَّةٌ تَلْتَقِطُ الصُّوَرَ مَعَ الكُتُبِ» نِقَاشًا وَاسِعًا حَوْلَ ظَاهِرَةِ الِاحْتِفَاءِ الشَّكْلِيِّ بِالكِتَابِ مُقَابِلَ ضَعْفِ المُمارَسَةِ القِرَائِيَّةِ الحَقِيقِيَّةِ، فِي إِشَارَةٍ مُؤْلِمَةٍ إِلَى تَحَوُّلِ القِرَاءَةِ مِنْ فِعْلٍ ثَقَافِيٍّ إِلَى مَشْهَدٍ بَصَرِيٍّ لِلِاسْتِهْلَاكِ.
أَمَّا فِي الجَنُوبِ المَغْرِبِيِّ، فَقَدِ احْتَفَتْ مَدِينَةُ أَكَادِير بِـ «الكَارِيكَاتِيرِ الإِفْرِيقِيِّ» ضِمْنَ فَعَالِيَّةٍ فَنِّيَّةٍ جَمَعَتْ رُسَّامِي القَارَّةِ، مُؤَكِّدَةً عَلَى أَنَّ السُّخْرِيَةَ وَالفَنَّ قَادِرَانِ عَلَى مُقَاوَمَةِ العُنْفِ وَالفَسَادِ بِالضَّحِكِ وَاللَّوْنِ وَالخَطِّ. وَعَلَى الضِّفَّةِ الأُخْرَى مِنَ الأَدَبِ، يُقَدِّمُ عَبْدُالنَّبِي شُوَيْكَة فِي عَمَلِهِ الجَدِيدِ «طَحَالِبُ مُرَّةٌ» قِرَاءَةً فِي الهَامِشِ المَغْرِبِيِّ مِنْ خِلَالِ ثُلَاثِيَّةِ الصَّمْتِ وَالهُوِيَّةِ وَالِانْتِظَارِ، لِيَصْطَادَ وَجَعَ الإِنسَانِ فِي لُغَتِهِ القِصَصِيَّةِ الَّتِي تُلَامِسُ أَعْمَاقَ الذَّاتِ الجَمَاعِيَّةِ.
وَاخْتُتِمَ المَشْهَدُ الثَّقَافِيُّ بِإِصْدَارٍ جَدِيدٍ يُلَامِسُ العُلُومَ الإِنسَانِيَّةَ بِالمَغْرِبِ، فِي مُحَاوَلَةٍ لِرَبْطِ الفِكْرِ الأَكَادِيمِيِّ بِالتَّحَوُّلَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ المُعَاصِرَةِ، وَهُوَ مَا يُعَكِّسُ دِينَامِيَّةً مُتَزَايِدَةً فِي البَحْثِ العِلْمِيِّ المَغْرِبِيِّ بَيْنَ التَّحْلِيلِ الفَلْسَفِيِّ وَالنَّقْدِ الأَدَبِيِّ.
إِنَّهَا مَشَاهِدُ مُتَقَاطِعَةٌ مِنْ لَوْحَةٍ وَاحِدَةٍ تُظْهِرُ أَنَّ المَغْرِبَ، بِكُلِّ تَعَدُّدِهِ، يَعِيشُ اليَوْمَ حَالَةَ نَهْضَةٍ ثَقَافِيَّةٍ مُتَجَدِّدَةٍ تَجْمَعُ بَيْنَ الِالْتِزَامِ الأَخْلَاقِيِّ وَالجَمَالِ الفَنِّيِّ، بَيْنَ الشِّعْرِ الَّذِي يُنَدِّدُ بِالمَأْسَاةِ، وَالسِّينِمَا الَّتِي تَرْوِي الذَّاتَ، وَالفِكْرِ الَّذِي يُسَائِلُ الوَاقِعَ. كُلُّ ذٰلِكَ فِي وَطَنٍ جَعَلَ مِنَ الثَّقَافَةِ مِرْآةً لِرُوحِهِ الخَلَّاقَةِ وَذَاكِرَتِهِ الَّتِي لَا تَنْطَفِئُ.








0 التعليقات:
إرسال تعليق