الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، فبراير 03، 2025

حلم في الدروب البركانية: نص سردي عبدو حقي


امتد الليل فوق السماء مثل قطعة قماش مخملية مشبعة بالفوسفور، وعرفت - قبل أن يخونني إحساسي - أنني لم أعد في العالم الأرضي. استيقظت مقيدًا بالسلاسل إلى العمود الفقري المصنوع من حجر السج لجبل يهمس بألسنة لا تفهمها إلا النار. كانت السلاسل، سميكة مثل خيوط ليفياثان المنسي، تنبض بحرارة لم تحرقني بل غاصت في نخاعي، مما جعلها تتوهج مثل الجمر الذي ينتظر أنفاس إله غير مرئي.

أدرت رأسي، أو بالأحرى، دارت رأسي من تلقاء نفسها، ورأيت الأفق المشتعل - لا، ليس أفقًا، بل نسيجًا متفككًا محبوكا من تنهدات الشمس. على أطراف هذا الحريق الكوني، كانت الظلال ترقص في إيقاع متناغم، وترمي أصداءها في الريح، وتحملها الريح، فتشتت معانيها في عقول أولئك الذين لم يعد بوسعهم أن يحلموا مثلي ...

ثم رأيته.

بروميثيوس، وقد نحتت عضلاته من الألم، ونظرته محفورة من التحدي. كانت النار تشتعل في صدره، وتتدفق مثل الذهب المنصهر من تحت الوتر، وتضيء أغلاله بنور لا يخضع للظلام بل يجبره على الركوع. كان صامتًا، لكن صمته كان مليئًا بصوت خفقات الأجنحة - ألف طائر من حجر السج، كل منها جزء من لعنة قديمة، تدور في الأعلى مثل دوامة من النبوءات المنسية.

"لست وحدك هنا"، قال لي كان صوته يرعد من أعماقه، متجاوزًا شفتيه، وكأن الكلمات كانت ترفًا تخلى عنه منذ زمن طويل. "أنت أيضًا تحمل النار".

نظرت إلى يدي، متوقعًا أن أجدهما مسودتين، محترقتين، لكن بدلًا من ذلك، كانتا تحملان بصمة سلاسل سماوية، روابط طيفية متشابكة مع حبر كل المآسي غير المكتوبة. كانتا تنبضان بإيقاع لم يكن خاصتي، وكأنها تستجيب لنبض قلب الجبل. وفي تلك اللحظة، فهمت: النار لم تكن ملكي ولا ملكه. كانت حلم الجبل، وهلوسة السماء، وهذيان الكون الذي يولد نفسه باستمرار من رماده.

شدت السلاسل.

انفجرت ضحكة من السماء، ضحكة مصطنعة من الرعد والمرح المنسي للآلهة التي اختفت. شقت السحب، وكشفت عن فم كهفي تقطر منه لغة أقدم من الصمت نفسه. "زحفت الكلمات نحونا، متلوية ومتموجة، حتى وصلت إلى النيران فأكلتها، وتحولت معانيها إلى دخان شكّل صورًا لوعود التاريخ غير المتحققة.

شعرت بصدري يتمدد خارج حدود وجودي، وكأنني على وشك الذوبان في النار ذاتها التي أسرتني. ثم، وكأن السماوات ذاتها فقدت الاهتمام بمعاناتنا، تحطمت السلاسل - ليس بصوت رنين، ولكن بتنهيدة نجم مطفأ.

نهض بروميثيوس.

تأوه الجبل.

انطوت السماء على نفسها في أوريجامي من الصلوات المنسية.

وأنا، بلا وزن، غير مقيد، محترق بنار لا تستهلك بل تنير معالم اللانهاية، فهمت الحقيقة الوحيدة التي كانت مهمة على الإطلاق:

نحن جميعًا مقيدون بالنار، ليس بالعقاب، ولكن بالوعود.

0 التعليقات: