الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، فبراير 17، 2025

مدافعون عن حقوق الإنسان تحت الحصار في الجزائر: عبدو حقي


لقد أثارت محنة المدافعين عن حقوق الإنسان في الجزائر قلقًا دوليًا متزايدًا، حيث أصدرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، ماري لولور، إدانة شديدة اللهجة للحملة المستمرة التي تشنها البلاد على النشطاء والصحفيين في الجزائر. وتسلط مخاوفها الضوء على نمط مقلق من القمع، يتميز بالاعتقالات التعسفية والمضايقة القضائية والترهيب وتجريم المعارضة السلمية تحت ذرائع قانونية غير محددة مثل "الإضرار بأمن الدولة". ويؤكد هذا الاتجاه المزعج على أسئلة أوسع نطاقًا حول حرية التعبير واستقلال القضاء والتزام الجزائر بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان. يجب إذن على المجتمع الدولي أن يحلل بشكل نقدي الطبيعة النظامية لهذه الانتهاكات والعواقب المترتبة على التطلعات الديمقراطية للجزائر.

ومن الحالات الرئيسية التي توضح هذا القمع حالة الصحفي مرزوق تواتي، الذي توضح محنته المخاطر التي يواجهها أولئك الذين يحاولون تحدي السلطة الجزائرية . إن الاعتقالات المتكررة للتواتي منذ عام 2024 تكشف عن ممارسات منهجية لإسكات الأصوات المعارضة. وتشير التقارير إلى أنه خلال احتجازه الأخير، تعرض للتعذيب النفسي والجسدي، بينما تعرضت عائلته لسوء المعاملة. وحتى بعد إطلاق سراحه، لا يزال محاصرًا بالمضايقات القضائية، وهو تكتيك يستخدم غالبًا لقمع النشاط من خلال إبقاء المدافعين في حالة دائمة من عدم اليقين القانوني. وقد تم استخدام استراتيجيات مماثلة ضد ناشطين آخرين مثل توفيق بلالا، وسفيان أوالي، وعمر بوساك، الذين واجهوا جميعًا استنطاقا متكررا واعتقالات تعسفية.

إن استخدام الجزائر لأحكام قانونية غامضة لتبرير هذه الاعتقالات يعكس التكتيكات التي تستخدمها الأنظمة الاستبدادية. إن تهمة "الإضرار بأمن الدولة" مشبوهة بل وخبيثة بشكل خاص بسبب غموضها، مما يسمح للسلطات بقمع أي شكل من أشكال المعارضة السياسية أو التقارير المستقلة. وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش (2023)، فإن تسليح القوانين ذات التعريف الواسع لتجريم حرية التعبير هو اتجاه متزايد في شمال أفريقيا، يعكس تآكل الحريات المدنية تحت ستار الأمن القومي. ولا يسهل هذا الغموض القانوني القمع فحسب، بل يزرع أيضًا مناخًا من الرقابة الذاتية بين الصحفيين والناشطين، الذين يعملون تحت التهديد الوشيك بالاعتقال.

يبدو أن النظام القضائي في الجزائر، بدلاً من أن يعمل كحصن ضد مثل هذه الانتهاكات، يعمل كأداة للسيطرة السياسية. وقد وثقت منظمة العفو الدولية (2024) حالات تفتقر فيها المحاكمات ضد النشطاء إلى الإجراءات القانونية الواجبة، حيث تعتمد المحاكم على الاعترافات المنتزعة تحت الإكراه وتحرم المتهمين من الوصول إلى مستشارهم قانوني. وتوضح الاعتقالات والمضايقات المتكررة لشخصيات مثل مرزوق تواتي كيف يتم استغلال القضاء للحفاظ على غلاف من الشرعية مع قمع المعارضة. إن تآكل استقلال القضاء يثير مخاوف جوهرية بشأن سيادة القانون في الجزائر، وخاصة مع استمرار الحكومة في رفض الدعوات إلى الإصلاح من الجهات الفاعلة المحلية والدولية.

كانت الاستجابة الدولية لهذه الانتهاكات لحقوق الإنسان فاترة، مما يعكس الاعتبارات الجيوسياسية التي غالبًا ما تتغلب على المخاوف بشأن المبادئ الديمقراطية. تتمتع الجزائر، باعتبارها موردًا للطاقة لأوروبا، بدرجة من الحصانة الدبلوماسية من القوى الغربية. وفي حين أدان البرلمان الأوروبي أحيانًا انتهاكات حقوق الإنسان فيها، فإن هذه التصريحات نادراً ما تترجم إلى تدابير سياسية ملموسة. وبالمثل، وعلى الرغم من إدانة لولور الحازمة، تظل قدرة الأمم المتحدة على ممارسة الضغط محدودة، خاصة بالنظر إلى التحالفات الاستراتيجية للجزائر ومقاومتها التاريخية للتدخل الخارجي.

إن قمع الجزائر للمدافعين عن حقوق الإنسان له عواقب محلية عميقة أيضًا. يتزامن هذا القمع المتزايد للمعارضة مع تزايد السخط الاقتصادي والاجتماعي، مما يذكرنا باحتجاجات الحراك في عام 2019 التي أجبرت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة. إن عودة القمع الحكومي إلى الظهور تشير إلى جهد متعمد لمنع موجة متجددة من التعبئة الشعبية. ومع ذلك، فقد أظهر التاريخ أن قمع المعارضة نادراً ما يهدئ السخط في الأمد البعيد. وبدلاً من ذلك، تعمل مثل هذه التدابير على تعميق المظالم المجتمعية، وتآكل الثقة العامة في مؤسسات الدولة، وتخاطر بمزيد من زعزعة الاستقرار.

ويظل دور المجتمع المدني في مقاومة هذه التدابير الاستبدادية حاسماً، على الرغم من الضغوط المتزايدة. لقد لعبت شبكات النشطاء داخل الجزائر، جنباً إلى جنب مع الشتات الجزائري، دوراً أساسياً في تضخيم أصوات الأفراد المضطهدين. وتستمر المنصات الرقمية والمنافذ الإعلامية المستقلة، على الرغم من استهدافها بشكل متزايد من قبل الرقابة الحكومية، في توثيق وكشف الانتهاكات. إن مرونة هذه الجهات الفاعلة هي شهادة على النضال الدائم من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية في البلاد.

إن قمع المدافعين عن حقوق الإنسان في الجزائر ليس مجرد سلسلة من الحوادث المعزولة، بل هو استراتيجية أوسع نطاقا تهدف إلى تعزيز سلطة الدولة وقمع المعارضة. إن حالات مرزوق تواتي، وتوفيق بلالة، وسفيان أوالي، وعمر بوساك توضح المخاطر التي يواجهها أولئك الذين يتحدون الوضع الراهن. يجب على المجتمع الدولي أن يتجاوز مجرد الإدانة وأن يتبنى تدابير ملموسة لمحاسبة الحكومة الجزائرية. وعلاوة على ذلك، يجب دعم الحركات الداخلية من أجل العدالة والشفافية لضمان عدم تعثر النضال من أجل حقوق الإنسان في الجزائر تحت وطأة القمع الحكومي. وكما أثبت التاريخ، فإن قمع الحريات الأساسية لا يخدم إلا في تغذية المقاومة المستقبلية، مما يجعل الدعوة إلى العدالة ضرورة لا يمكن تجاهلها.

0 التعليقات: