الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، مارس 24، 2025

في اليوم العالمي 24 مارس لكشف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان: عبده حقي


في الرابع والعشرين من مارس من كل عام، يتوقف العالم للتأمل في أهمية الحقيقة والذاكرة والعدالة لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وقد أنشأت الأمم المتحدة هذا اليوم تخليدًا لليوم العالمي للحق في معرفة الحقيقة، لتكريم ضحايا الفظائع والجرائم الماضية، ويُؤكد على مسؤولية الدول والمجتمعات في ضمان المساءلة والشفافية.

في شمال أفريقيا، حيث أثّرت التحولات السياسية والإرث الاستبدادي والنزاعات المسلحة تأثيرًا بالغًا على حقوق الإنسان، تُعدّ هذه المناسبة تذكيرًا بالمعاناة المستمرة وبصيصا من الأمل.

لا يزال الوضع في الصحراء الغربية أحد أكثر الإشكاليات إلحاحًا في مجال حقوق الإنسان في شمال أفريقيا. بينما يواصل المجتمع الدولي سعيه لإيجاد حل سياسي، من خلال تزكية مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لا يزال آلاف اللاجئين الصحراويين عالقين في مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر.

تشير تقارير من معتقلين سابقين ومنظمات حقوق إنسان إلى حالات اعتقال تعسفي، وقمع للأصوات المعارضة، وغياب سبل الانتصاف القانوني للضحايا. كما اتُهمت جبهة البوليساريو بتجنيد الأطفال، وتقييد حرية التنقل، وإشاعة جو من الخوف بين من يعبرون عن آراء سياسية بديلة. علاوة على ذلك، فإن غياب إحصاء شفاف في المخيمات، والاعتماد الكلي على المساعدات الإنسانية، يزيدان من هشاشة أوضاع اللاجئين، وخاصة النساء والأطفال.

يجب على المجتمع الدولي أن يضغط بشكل عاجل من أجل إجراء تحقيق مستقل في تردي الأوضاع الاجتماعية والصحية في تندوف، وأن يدعم الجهود الرامية إلى تمكين الأصوات الصحراوية التي تسعى إلى التحرر من المنفى والتلاعب السياسي.

الجزائر، التي كانت تأمل في إصلاح ديمقراطي عقب حراك 2019، تراجعت إلى حالة من القمع السياسي المكثف. فقد قوبلت الاحتجاجات السلمية التي أطاحت بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي حكم البلاد لفترة طويلة، بتفاؤل حذر في البداية. إلا أن رد فعل النخبة الحاكمة تمثل في ترسيخ سلطتها من خلال مزيج من الأساليب الاستبدادية والتلاعب القانوني.

ويواجه المدافعون عن حقوق الإنسان والصحفيون والفاعلون في المجتمع المدني مضايقات واعتقالات تعسفية. وتُستخدم قوانين مكافحة "نشر معلومات كاذبة" أو "المساس بالوحدة الوطنية" لإسكات المعارضة. وغالبًا ما يعمل القضاء، الذي يفتقر إلى الاستقلال، كأداة في يد النظام. إضافةً إلى ذلك، ازدادت القيود المفروضة على حرية التجمع والصحافة، مع إغلاق وسائل إعلام مستقلة بارزة أو ترهيبها لإسكاتها.

وقد أدانت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش مرارًا وتكرارًا سجل الجزائر في مجال حقوق الإنسان، لا سيما فيما يتعلق بمعاملة نشطاء الحراك وقمع أصوات الأقليات، مثل سكان القبائل.

في 24 مارس ، لا تزال صرخة العدالة والتجديد الديمقراطي في الجزائر ملحة وعميقة.

أما في تواجه تونس، التي كانت تُعتبر النموذج الناجح الوحيد للربيع العربي، فقد عرفت تراجعا حادًا في مؤسساتها الديمقراطية في عهد الرئيس قيس سعيد. منذ استيلائه على السلطة في يوليو 2021، حين علق عمل البرلمان وتولى السلطة التنفيذية، شهدت البلاد تفكيكًا لاستقلال القضاء، وقمعًا للمعارضة السياسية، واضطهادًا للمنتقدين.

وقد اعتقلت السلطات عشرات الشخصيات السياسية والقضاة والمحامين والصحفيين ، غالبًا بتهم غامضة تتعلق بالأمن القومي. كما فقدت العملية الانتخابية مصداقيتها، وتعمل منظمات المجتمع المدني الآن تحت تدقيق وضغط متزايدين حيث يخشى العديد من التونسيين العودة إلى الممارسات الاستبدادية لنظام بن علي، التي اتسمت بالمراقبة الشديدة والتخويف.

لا يهدد هذا التراجع حقوق الأفراد فحسب، بل يهدم أيضًا دور تونس الإقليمي كنموذج للانتقال الديمقراطي. يجب إذن على الشركاء الدوليين محاسبة الحكومة التونسية ودعم الجهود المحلية لاستعادة سيادة القانون وحماية الحريات الأساسية.

على عكس الوضع المتدهور في الدول المجاورة، يُقدّم المغرب رؤية أكثر تفاؤلاً بشأن تطوير حقوق الإنسان. لقد شكّل إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة عام 2004 لحظة فارقة في العالم العربي. وبتكليفها بالتحقيق في حالات الاختفاء القسري والتعذيب والاعتقالات التعسفية خلال ما يُسمى "سنوات الرصاص"، مثّلت الهيئة التزامًا بالتعافي الوطني والمساءلة النزيهة.

على الرغم من أن هيئة الإنصاف والمصالحة لم تكن تتمتع بسلطة قضائية، إلا أنها لعبت دورًا حاسمًا في كشف الحقيقة، وجبر الضرر، وحفظ الذاكرة. وقد حظي آلاف الضحايا باعتراف علني وتعويضات، وأدت توصياتها إلى إصلاحات قانونية ومؤسسية، بما في ذلك تعزيز المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

لا تزال التحديات قائمة في المغرب، لا سيما فيما يتعلق بحرية التعبير، ومعاملة الصحفيين. ومع ذلك، وبالمقارنة مع العديد من شقيقاتها في المنطقة، اتخذ المغرب خطوات مهمة نحو ترسيخ حقوق الإنسان في مجاله القانوني والمؤسسي. ولا يزال المجتمع المدني نابضًا بالحياة، وتتزايد أهمية النقاشات حول الحوكمة والإصلاح في الخطاب العام.

في هذا اليوم الدولي للحق في معرفة الحقيقة، يبرز مشهد حقوق الإنسان في شمال أفريقيا تناقضًا صارخًا. فبينما يُثبت المغرب أن مواجهة الماضي يمكن أن تمهد الطريق لمستقبل أكثر عدلًا، تُذكرنا الجزائر وتونس ومخيمات تندوف بأن الحقيقة لا تزال مُختبئة خلف جدران القمع والصمت والخوف.

إن النضال من أجل الكرامة الإنسانية والعدالة والمساءلة لا يجب أن يتوقف ومن من واجب الجميع - الحكومات والمجتمع المدني والهيئات الدولية والمواطنين - ضمان سيادة الحقيقة على الإفلات من العقاب، وأن تُصبح ذكرى الضحايا حجر الزاوية لبناء منطقة أكثر حرية وإنسانية.

0 التعليقات: