في زحمة الأخبار القادمة من أديس أبابا، المدينة التي تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي، تطالعنا وكالات مقرّبة من البوليساريو بخبر يدّعي قيام المسؤولة الجديدة عن مفوضية الصحة والشؤون الإنسانية والتنمية الاجتماعية في الاتحاد، السفيرة الغانية أما أدوما توم أمواه، بزيارة "سفارة الجمهورية الصحراوية" في العاصمة الإثيوبية. هكذا، مرة أخرى، يستمر الانفصاليون ومعهم الدبلوماسية الجزائرية في بيع الوهم والترويج لكيانات غير موجودة إلا في عقولهم ومواقعهم الإلكترونية.
ولنكن واضحين: لا توجد
"جمهورية صحراوية" معترف بها من الأمم المتحدة، ولا من غالبية دول العالم،
بل لا تتوفر حتى على الحد الأدنى من مقومات الدولة. ورغم ذلك، يصرّ الانفصاليون على
صناعة مسرحيات دبلوماسية تستعرض "لقاءات" مع مسؤولين، وتُزيّف وجود
"سفارات" لكيان بلا أرض، بلا سيادة، وبلا شرعية شعبية. فهل يُعقل أن تُنصب
سفارة لكيان وهمي داخل مدينة تعتبر مرآة الوحدة الإفريقية، ومنصة شرعية لممثلي الدول
المعترف بها؟
زيارة أما أدوما إلى
مكتب يدعي تمثيل البوليساريو، إن حصلت فعلاً، لا تعني بأي حال من الأحوال اعترافاً
دبلوماسياً. فالاتحاد الإفريقي، رغم تناقضاته التاريخية، يبقى منظمة سياسية تسعى إلى
لمّ شمل القارة، لكنه في مرات عديدة وجد نفسه رهينة لمناورات النظام الجزائري، الذي
يسخّر كل أوراقه داخل المنظمة القارية لدعم البوليساريو، حتى ولو على حساب مصداقية
المؤسسات الإفريقية.
ولا بد من التذكير
هنا أن تواجد البوليساريو في الاتحاد الإفريقي كان نتيجة اختراق دبلوماسي جزائري حدث
في ثمانينيات القرن الماضي، وتم فرضه في سياق الحرب الباردة وتواطؤ أنظمة ماركسية إفريقية
آنذاك. لكن الزمن تغيّر، والدول الإفريقية اليوم باتت أكثر وعياً بمصالحها، وبدأت واحدة
تلو الأخرى تسحب اعترافها من هذا الكيان الورقي. أكثر من 28 دولة إفريقية سحبت رسميًا
أو جمّدت اعترافها بما يُسمى "الجمهورية الصحراوية"، وهو ما يدل على أن رياح
الواقعية السياسية بدأت تقتلع جذور الخداع.
ولنكن صرحاء، من يزور
"سفارة" البوليساريو في أديس أبابا، لا يزور إلا مكتبًا صغيرًا، يُموَّل
بالكامل من الجزائر، وتُحاك فيه خيوط البروباغندا الانفصالية، ويُستخدم لالتقاط الصور
وبث بيانات لا تجد طريقها إلى الصحف الكبرى ولا إلى المحافل الدولية. والأدهى أن اللقاءات
مع المسؤولين الأفارقة تُصاغ بطريقة توهم القارئ بأن هناك مساواة بين الدول المعترف
بها وكيانات العصابات المسلحة.
وهنا، لا بد أن نطرح
السؤال: هل من المنطقي أن تشارك "جمهورية" لا تملك مستشفيات ولا نظامًا صحيًا
ولا حتى بنية مؤسساتية في رسم سياسات الاتحاد الإفريقي في الصحة والتنمية الاجتماعية؟
أي مفارقة أكثر عبثية من هذه؟ إن من يُشرف على مخيمات تندوف حيث تنتشر الأوبئة، وينعدم
الحد الأدنى من الرعاية الصحية، لا يحق له أخلاقياً أو سياسيًا التحدّث باسم القارة
في قضايا الصحة والتنمية.
ما نراه ليس سوى محاولة
يائسة من البوليساريو لإعادة تدوير حضورها داخل المؤسسات الإفريقية عبر تحريك
"الواجهة الدبلوماسية" في أديس أبابا، وبمباركة جزائرية واضحة، خصوصًا أن
نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي هو جزائري، وهو ما يجعل مناخ الاجتماعات مهيأً للتواطؤ
أكثر منه للحوار المتوازن.
والسؤال الأكثر إحراجًا
الذي تتهرب منه الجزائر هو: لماذا تستميت في تلميع صورة كيان لا تعترف به حتى الأمم
المتحدة، وتُغرقه بالدعم المالي والدبلوماسي، في وقت يعاني فيه شعبها من تدهور اقتصادي
وخدماتي داخلي؟ الإجابة واضحة: لأن البوليساريو باتت ورقة مساومة دبلوماسية، ولأن الدولة
الجزائرية لا تملك مشروعًا وحدويًا ولا تنمويًا، فاختارت صناعة العدو وتكريس الانفصال.
ختامًا، سيبقى المغرب
في صحرائه، والصحراء في مغربها، رغم هذه العروض المسرحية التي تروّج لها وكالة الأنباء
الجزائرية، وملاحقها الإعلامية في أديس أبابا. والاتحاد الإفريقي، إن أراد أن يستعيد
مصداقيته، فعليه أن يعيد النظر في هذه التناقضات الكارثية التي تُشوه العمل الإفريقي
الجماعي، وتحوّله إلى حلبة لتصفية الحسابات.
إن وهم السفارات لا
يصنع الدول، والتقاط الصور لا يمنح السيادة، وإن من يتقن التمثيل لا يعني أنه يمتلك
الدور الحقيقي في مسرح التاريخ.
0 التعليقات:
إرسال تعليق