الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، مايو 14، 2025

إقالة مسؤولة حقوق النشر الأمريكية بسبب الذكاء الاصطناعي : عبده حقي


في خطوة وُصفت بأنها استعراضية وصادمة، أقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيسة مكتب حقوق النشر الأمريكية شيرا بيرلماتر، بعد أيام فقط من إصدارها تقريرًا يسلّط الضوء على أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تنتهك قوانين حقوق المؤلف المعمول بها في الولايات المتحدة.

هذا القرار لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد نشر تقرير تحت عنوان "حقوق النشر والذكاء الاصطناعي"، أشارت فيه بيرلماتر إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي لمواد محمية بحقوق النشر من دون إذن، خاصة في الأغراض التجارية، يتجاوز ما يُعرف قانونًا بـ"الاستخدام العادل". التقرير جاء بلغة واضحة: "إن الاستخدام التجاري لكم هائل من الأعمال المحمية لإنتاج محتوى تعبيري منافس، خاصة عندما يتم الوصول إليها بشكل غير قانوني، يتعدى الحدود المعترف بها للاستخدام العادل."

ورغم أن التقرير لم يدّعِ أن الذكاء الاصطناعي بحد ذاته غير قانوني، إلا أنه أضاء على ثغرات قانونية لا يمكن التغاضي عنها، وهو ما يبدو أنه لم يرق للإدارة الأمريكية الحالية التي تسعى إلى تسريع وتيرة تطوير الذكاء الاصطناعي بأي ثمن.

قرار الإقالة لم يُحدث فقط ضجةً في الأوساط القانونية، بل أثار أيضًا ردود فعل سياسية غاضبة. فقد وصف النائب الديمقراطي جو موريلّي الخطوة بأنها "اغتصاب فاضح للسلطة"، وأضاف: "إقالة بيرلماتر لم تأتِ مصادفة، بل جاءت بعد رفضها التصديق على محاولات إيلون ماسك استغلال محتوى محمي لتدريب نماذجه الذكية، دون احترام لحقوق المؤلف."

واللافت في هذا السياق أن قرار الإقالة تزامن مع إقالة أخرى مست نفس المؤسسة، حيث أُقيلت أيضًا كارلا هايدن، أمينة مكتبة الكونغرس، وهي الجهة التي تشرف على مكتب حقوق النشر. ما يعزز فرضية أن هناك حملة داخل الإدارة الأمريكية لإعادة ترتيب المواقع بما يتناسب مع رؤية الرئيس الجديدة للذكاء الاصطناعي.

منذ عودته إلى البيت الأبيض، لم يُخفِ ترامب طموحه لتحويل الولايات المتحدة إلى معقل عالمي للذكاء الاصطناعي. فقد استقبل كبار رؤساء شركات التكنولوجيا في حفل تنصيبه، من بينهم مسؤولو جوجل وميتا وأوبن آي.  كما وقّع قوانين تعزز التعليم في مجال الذكاء الاصطناعي، وألغى إجراءات سلامة وضعتها الإدارة السابقة لضمان الاستخدام الأخلاقي لهذه التقنيات.

في خطاب حديث، قال ترامب: "هناك تريليونات من الدولارات تُستثمر في الذكاء الاصطناعي. أحد الأذكياء أخبرني اليوم أن الذكاء الاصطناعي هو طريق المستقبل... لا أعلم إن كان محقًا، لكن بالتأكيد الأذكياء يستثمرون فيه." لكن، ما يبدو واضحًا الآن هو أن الرئيس ليس فقط يعتقد أنه المستقبل، بل يسلك كل السبل لإزالة العقبات من طريقه، حتى لو كانت تلك العقبات تتمثل في مسؤولين رسميين يحاولون حماية ما تبقى من توازن قانوني وأخلاقي في هذا السباق التقني المحموم.

المعركة لا تدور فقط حول الذكاء الاصطناعي، بل حول المبادئ التي تحكمه. فهل يمكن تبرير التضحية بقوانين الملكية الفكرية من أجل التقدم التكنولوجي؟ وهل تُصبح حقوق المؤلفين "كولترال دامج" في زمن تهيمن فيه الخوارزميات على السوق والإبداع؟ ربما تكون إقالة بيرلماتر مجرد بداية لإعادة تشكيل بيئة تشريعية تُفرغ القانون من محتواه، وتضع مستقبل الإبداع البشري في مواجهة غير متكافئة مع آلات تُدرّب على سرقة هذا الإبداع ذاته.

0 التعليقات: