في زمن تتسارع فيه وتيرة الابتكارات، يطفو على السطح سؤال يقلق العديد من المبرمجين: هل ما زال لمهنتهم مكان في المستقبل، أم أن الذكاء الاصطناعي يشق طريقه ليحل محلهم؟ في حلقة حديثة من بودكاست "بكرة"، قاد الإعلامي علي العزازي حوارًا معمقًا مع محمد بدوي، أحد الوجوه البارزة في ميدان التكنولوجيا، لمناقشة هذا التحول الجذري في عالم البرمجة والإبداع.
أثارت الحلقة نقاشًا مستفزًا للعقل حين طُرح سؤال: هل سيتم استبدال المبرمجين كليًا بالذكاء الاصطناعي؟ وبدلًا من تقديم إجابات مباشرة، استعرض العزازي تحولات سوق العمل، مشيرًا إلى أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لم يؤدِ إلى تقليص عدد الموظفين، بل غيّر نوعية المهام المُنجزة. أصبحت العمليات التي كانت تحتاج لأسابيع تنجز في ساعات، وأضحى بالإمكان بناء أنظمة كاملة باستخدام الأوامر الصوتية فقط. وكأن البرمجة نفسها بدأت تتكلم.
محمد بدوي، من جهته، لم يُخفِ قلقه من هذا التطور، لكنه اختار أن ينظر إليه بمنظار الفرصة لا الفناء. أشار إلى تصريحات مثيرة للجدل لمارك زوكربيرغ، الذي تنبأ بقرب انقراض وكالات الإعلان بالشكل التقليدي، مع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي القادرة على إنتاج إعلانات كاملة دون تدخل بشري مباشر. في عالم كهذا، تصبح الموهبة وحدها غير كافية إن لم ترافقها القدرة على التكيف التكنولوجي.
وفي مثال أكثر قربًا، سرد بدوي حكاية صديق يعمل في مجال الإعلانات بدأ يلمس تناقصًا في عدد عملائه. السبب؟ تفضيلهم إنتاج محتواهم الإعلاني من خلال أدوات الذكاء الاصطناعي، التي باتت تُخرج فيديوهات وصورًا جذابة بأقل التكاليف. دفعت هذه التجربة الصديق لإعادة النظر في أسلوب عمله، بحثًا عن مساحة جديدة لا يهددها الذكاء الاصطناعي، بل تتغذى عليه.
لم يتوقف النقاش عند البرمجة، بل امتد إلى المصممين والمبدعين، الذين صاروا في مواجهة مباشرة مع خوارزميات تنتج صورًا ولوحات وتصاميم لا تقل في جمالها وتفردها عما يصنعه البشر. وهنا جاء التحذير: إن لم يتحول الإبداع البشري إلى طاقة تكاملية مع الذكاء الاصطناعي، فإن الكثير من الوظائف الإبداعية ستكون معرضة للتراجع، وربما الزوال.
واختتمت الحلقة بنداء موجه للأجيال الصاعدة: لا تكتفوا بتعلم البرمجة كما نعرفها اليوم، بل اذهبوا نحو ما بعدها. تعلموا كيف تفكر الآلات، كيف تتخذ قراراتها، وكيف يمكن تسخيرها كأدوات توسع المدارك بدل أن تضيق الأفق. فالذكاء الاصطناعي لن يُقصي الإنسان، لكنه لن ينتظر من لا يواكب تحوّلاته.
إن الرسالة التي حملتها هذه الحلقة لا تدعو إلى الخوف، بل إلى التأهب: من أراد أن يظل فاعلًا في العصر القادم، فعليه أن يعيد تعريف نفسه، وأن يعيد برمجة مستقبله.
0 التعليقات:
إرسال تعليق