في السنوات الأخيرة، كثُر تداول أسماء وشخصيات تدّعي تمثيل "الجمهورية الصحراوية الديمقراطية" في محافل حقوق الإنسان، ومناسبات نسوية، ومؤتمرات دولية، محاوِلة إضفاء طابع الشرعية على كيان لا وجود له قانونياً، ولا تمثيل له فعلياً داخل الصحراء المغربية. الأمثلة كثيرة، وآخرها إعلان منظمة "فرونت لاين ديفندرز" عن منح جائزتها الحقوقية للمدعو محمد حالي، الناشط المنتمي لما يُسمّى "الجمهورية الصحراوية"، وكذلك مشاركة وفد نسوي "صحراوي" في مؤتمر باسطنبول حول قضايا المرأة. فما حقيقة هذه الادعاءات؟ ومن يقف وراء هذا التلميع الإعلامي والرمزي؟ وهل تمثل هذه الشخصيات فعلاً الصحراويين؟
إن منح جوائز دولية
لا يعني بالضرورة الاعتراف بشرعية كيان أو صدقية سردية سياسية. فكما أن جائزة نوبل
للسلام قد مُنحت في بعض الحالات المثيرة للجدل لأشخاص ذوي مواقف متضاربة، فإن حصول
ناشط من البوليساريو على جائزة لا يضفي شرعية قانونية أو أخلاقية على مزاعم الانفصال.
منظمة "فرونت لاين ديفندرز" نفسها منظمة غير حكومية ذات خلفية أيديولوجية
يسارية، لها مواقف منحازة في عدة قضايا، ولا تتبع معايير موضوعية في جميع قراراتها.
إن اختيارها لحالي لا يُفهم خارج سياق محاولات البوليساريو الترويج لخطاب المظلومية،
خاصة بعد التراجع الدولي الواضح عن دعم أطروحتهم.
الوفد النسوي كذلك
الذي شارك في اجتماع إسطنبول لا يُمثل المرأة الصحراوية المغربية، بل هو واجهة نضالية
شكلية لكيان مفروض على ساكنة مخيمات تندوف. فواقع المرأة في هذه المخيمات بعيد كل البعد
عن تمكين المرأة أو احترام حقوقها، حيث تسيطر قيادة عسكرية ذكورية تُمارس التعتيم،
وتحرم النساء من حرية التعبير والحركة، بل وتمنع المنظمات الدولية من مراقبة الوضع
الإنساني داخل المخيمات.
المفارقة أن من يدّعون
الدفاع عن حقوق النساء يشاركون في مؤتمرات دولية بأسماء مستعارة، بينما تُقمع الصحراويات
اللواتي يعارضن جبهة البوليساريو داخل المخيمات، كما هو الحال مع الناشطة فاظمة المهدي
التي طُردت من المخيمات فقط لأنها طالبت بحقوقها كمواطنة.
الخطير في هذه التحركات
ليس فقط أنها تروّج لخطاب سياسي مفبرك، بل إنها تُصادر أيضاً صوت الصحراويين الحقيقيين،
أولئك الذين اختاروا العيش في كنف الدولة المغربية، ويشاركون في مؤسساتها، ويديرون
مجالسها المنتخبة، ويعبّرون بحرية في الإعلام الوطني والدولي. آلاف الصحراويين في العيون
والداخلة وسمارة يؤكدون يومياً أن مستقبلهم في إطار السيادة المغربية، وأن ما يُروّج
له خارجياً لا يمثلهم، بل يُستعمل كورقة ضغط في صراعات إقليمية تقودها الجزائر.
التوقيت الذي ظهرت
فيه هاتان المبادرتان ليس بريئاً. فبعد سلسلة من الضربات السياسية التي تلقاها مشروع
"الجمهورية الصحراوية"، منها سحب الاعتراف من عدة دول في إفريقيا وأمريكا
اللاتينية، وتحول مواقف عدد من المنظمات الدولية تجاه خطة الحكم الذاتي المغربية، تحاول
البوليساريو الرجوع للواجهة عبر أدوات ناعمة مشوهة كجوائز الحقوقيين، والمشاركة الرمزية
في المؤتمرات الدولية. غير أن هذه المحاولات لا تغير شيئاً من الواقع: لا توجد دولة
صحراوية، ولا توجد تمثيلية حقيقية لهؤلاء "الناشطين".
إن استعمال المنظمات
الحقوقية والنسوية كمنصات للترويج لكيانات وهمية يُعد ضرباً لمصداقية النضال الحقوقي
العالمي، كما أنه يُساهم في تزييف الوقائع، وتهميش الصوت الحقيقي لساكنة الصحراء المغربية.
فكل من يروج لجمهورية "صحراوية" لا وجود لها، إنما يشارك، بقصد أو بغير قصد،
في مشروع انفصالي مدعوم من نظام فقد بوصلته، لا يخدم السلام، ولا العدالة، ولا حقوق
الإنسان.
0 التعليقات:
إرسال تعليق