الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، مايو 11، 2025

"الكتابة على مقاس وادي السيليكون: عبده حقي


تشير دراسة حديثة صادرة عن جامعة كورنيل إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي الكتابية، ورغم تسويقها باعتبارها مساعدة شاملة ومحايدة، قد تُسهم في توحيد الأساليب التعبيرية على نحو غير مقصود، لا سيما بين المستخدمين القادمين من خلفيات ثقافية غير غربية. فالمخرجات اللغوية لهذه الأدوات، التي تُطوّر أساسًا داخل بيئة ثقافية أمريكية، تميل إلى تقديم اقتراحات تحمل بصمة غربية واضحة، ما يؤدي إلى تآكل تنوع الأساليب الثقافية في الكتابة الرقمية.

الدراسة استندت إلى تجربة شارك فيها 118 شخصًا من الهند والولايات المتحدة، وطُلب منهم إنجاز مهام كتابية حول مواضيع ذات طابع ثقافي، بعضها بمساعدة ذكاء اصطناعي وبعضها دونها. النتائج أظهرت أن استخدام المساعدات الكتابية الذكية دفع المستخدمين نحو أنماط تعبيرية متشابهة، بحيث تقلص الفارق بين النصوص الهندية والأمريكية، وإن كان ذلك على حساب التعبير الثقافي المحلي.

فعلى سبيل المثال، عند الكتابة عن العادات أو الأطعمة أو المناسبات، كانت أدوات الذكاء الاصطناعي تميل إلى اقتراح كلمات ومواضيع ذات طابع أمريكي – مثل "البيتزا" و"الكريسماس" – متجاهلةً رموزًا هندية ذات دلالة مثل "Shah Rukh Khan" الذي لم يُقترح إلا بعد تصحيحات يدوية متكررة من المستخدم.

ووفقًا لتصريحات أحد الباحثين المشاركين في الدراسة، دروف أغاروال، فإن هذا النوع من الانحياز لا يُعد فقط خللًا تقنيًا، بل يتجاوز إلى ما يمكن وصفه بـ"الاستعمار الرقمي" للثقافات. فحين تُصبح الاقتراحات الآلية معيارًا لما يُفترض أن يكون "كتابة جيدة"، تبدأ الخصوصيات الثقافية في التلاشي تحت ضغط الذوق التقني المُصنّع في الغرب.

رغم أن المستخدمين الهنود استفادوا – نظريًا – من تسريع عملية الكتابة، إلا أن فاعلية الذكاء الاصطناعي كانت أقل لديهم مقارنة بالأمريكيين، بسبب اضطرارهم المتكرر إلى تعديل المقترحات بما يتماشى مع أسلوبهم المحلي وهويتهم الثقافية. وقد احتفظ الهنود بنحو 25% فقط من اقتراحات الذكاء الاصطناعي، مقابل 19% عند الأمريكيين، ما يعكس محاولة مقاومة لغوية ضمنية تُمارس على مستوى فردي، لكنها تعبّر عن إشكال بنيوي أعمق.

إن هذه النتائج تطرح تساؤلات جدّية حول دور شركات التكنولوجيا في تشكيل المحتوى الثقافي العالمي، وتدفع باتجاه المطالبة بإدماج مزيد من الحساسية الثقافية في نماذج الذكاء الاصطناعي، بدلًا من الاكتفاء بالتركيز على الكفاءة اللغوية أو دقة القواعد النحوية.

وبينما تواصل هذه الأدوات توسّعها في الاستخدام اليومي، خصوصًا في بلدان الجنوب العالمي التي تشكّل أكثر من 85% من مستخدميها، يبدو من الضروري إعادة النظر في طريقة بنائها وتغذيتها بالبيانات. فالمخاطر لا تكمن فقط في تهميش صوت ثقافي معين، بل في إعادة تشكيل الوعي الجمعي لمليارات الأفراد وفق رؤية ثقافية واحدة، تتحدث باسم "الحياد" بينما تُعيد إنتاج مركزية الغرب في عصر رقمي يُفترض أنه بلا حدود.

تُظهر هذه الدراسة إذن أن التكنولوجيا، على الرغم من كونها أداة قوية لتحسين الإنتاجية والتواصل، ليست خالية من الأيديولوجيا. وإذا لم يُعاد النظر في تصميم أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل يأخذ في الاعتبار التعددية الثقافية والخصوصيات المحلية، فإن التنوع الإنساني ذاته قد يكون الضحية القادمة في مسار التقدم الرقمي.

0 التعليقات: