في سياق إقليمي ودولي يعرف تحولات جذرية في مواقف العواصم الكبرى إزاء قضية الصحراء المغربية، تعمد جبهة البوليساريو، ومعها منابرها الدعائية، إلى الترويج لسلسلة من الادعاءات التي لا تصمد أمام التحليل الموضوعي والمعطيات الميدانية. فما بين تصريحات دبلوماسية مجتزأة واستقبالات بروتوكولية لا تخرج عن إطار المجاملة، تسعى الجبهة إلى الإيحاء بوجود دعم أممي ودولي لما تسميه بـ"القضية الصحراوية"، في وقت تتعزز فيه المكاسب السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي تحققها المملكة المغربية على أرض الواقع في أقاليمها الجنوبية.
الاستقبال الذي حظي
به المدعو "السفير الصحراوي" في وزارة الخارجية المكسيكية لا يعدو كونه لقاء
عادياً في إطار سياسة الباب المفتوح التي تنتهجها المؤسسات الدبلوماسية، ولا يمثل بأي
شكل من الأشكال تغييراً في موقف المكسيك الرسمي الذي لا يعترف بالجمهورية الوهمية.
فالتعامل البروتوكولي مع ممثل كيان غير معترف به لا يمنحه شرعية دولية، تماماً كما
تستقبل سفارات دول أخرى نشطاء ومنظمات غير حكومية دون أن يعكس ذلك تبنيها لأطروحاتهم.
أما البيان الصادر
عن «اللجنة الدولية لحماية الصحفيين»، والذي يتحدث عن "حصار إعلامي" في الصحراء،
فإنه يفتقد إلى الحياد، ويتجاهل الطفرة الإعلامية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة،
حيث تنشط عشرات الوسائط الصحفية وتُنظّم منتديات إعلامية دولية، كما يتجاهل هذا التقرير
السياق الأمني للمنطقة الذي تفرضه التهديدات الإرهابية والانفصالية العابرة للحدود.
من الجدير بالذكر أن حرية الصحافة في المغرب مكفولة بموجب الدستور، وتخضع للمساءلة
القانونية كما هو الحال في كل الدول الديمقراطية.
فيما يتعلق بالتصريحات
الصادرة عن فنزويلا وبوليفيا، فهي تأتي من أنظمة سياسية معروفة بمواقفها الأيديولوجية
المناهضة للغرب أكثر مما تعكس فهماً حقيقياً لتعقيدات الملف. إن التهاني الشكلية أو
الإشادات المتكررة بنضال الجبهة لا تغيّر من حقيقة أن أكثر من 84% من دول العالم لا
تعترف بالجمهورية الوهمية، وأن الأغلبية الساحقة من الدول الأمريكية اللاتينية قد راجعت
أو سحبت اعترافها الموروث من زمن الحرب الباردة. والأكثر دلالة هو تزايد عدد الدول
التي فتحت قنصلياتها في مدينتي العيون والداخلة، تأكيداً على سيادة المغرب على صحرائه،
وعلى كون هذه الأقاليم قطباً تنموياً واعداً في إفريقيا.
رحيل إليزابيث بيلتييه،
مهما كانت صداقتها مع أطروحة البوليساريو، يندرج في إطار الدعم الفردي النضالي الذي
لا يشكل مرجعية سياسية أو قانونية في العلاقات الدولية. فتاريخ النزاعات لم يخلُ يوماً
من شخصيات ارتبطت بقضايا لا تملك مشروعية أو أفقاً قانونياً، غير أن انخراطها العاطفي
لا يؤثر في موازين الشرعية ولا في الحقائق الجيوسياسية.
وفي مقابل هذه الحملة
التضليلية، يواصل المغرب، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، ترسيخ مشروعه
الوطني في الأقاليم الجنوبية، معتمداً مقاربة متعددة الأبعاد: من دبلوماسية استباقية
مكنته من تحييد العديد من المحاور التقليدية للانفصال، إلى استثمارات اقتصادية كبرى
في البنية التحتية والطاقة الخضراء، جعلت من الداخلة والعيون فضاءين حيويين ضمن خارطة
المبادلات الإفريقية والدولية.
كما أن انخراط الأمم
المتحدة في المسلسل السياسي، عبر دعم مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة
2007، كحلّ جاد وواقعي وذي مصداقية، يعكس إلى أي مدى فقدت الأطروحة الانفصالية وجاهتها،
بل وتحولت إلى عبء سياسي وأخلاقي على داعميها التقليديين الذين أصبحوا يبحثون عن مخرج
مشرّف من هذا المأزق المزمن.
من خلال تتبع التصريحات
والأنشطة التي تروج لها البوليساريو مؤخراً، يمكن استنتاج أمر جوهري: الأزمة ليست في
الصحراء، بل في "الجبهة" نفسها. جبهة تواجه عزلة دولية، اهتراءً داخلياً،
وتململاً في المخيمات التي صارت بيئة خصبة للتطرف والانفلات الأمني، في وقت يكرس فيه
المغرب منطق التنمية، والاستقرار، والانفتاح، كسبيل وحيد لتثبيت وحدته الترابية وتحقيق
تطلعات سكان أقاليمه الجنوبية في إطار نموذج تنموي متكامل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق