فازت الكاتبة المغربية-
الهولندية “صفاء الخنوسي” بجائزة “ليبريس” الهولندية لعام 2025 عن روايتها “أوروبا”،
وهي من أبرز الأصوات الجديدة في الأدب الأوروبي، بعد أشهر من فوزها بجائزة “بون” الأدبية
الفلمنكية في آذار/ مارس الماضي، ما يجعل هذا التتويج المزدوج إنجازا نادرا لكاتبة
في بداية مسيرتها الأدبية.
اختارت لجنة التحكيم، برئاسة الصحافية والكاتبة “شيلا سيتالسنج”، الرواية الفائزة من بين ست روايات مرشحة تمثّل أفضل الأعمال الأدبية الأصلية المكتوبة باللغة الهولندية خلال العام الماضي بوصف أنها “عمل استثنائي لا يمكن تجاهله” بحسب بيان لجنة التحكيم الذي أشار إلي أن: “هذه الرواية كان يجب أن تكتب منذ زمن، لأنها تعكس قصتنا جميعا. إنها تجربة قراءة تتطلب انتباها وجهدا، لكنها تكافئ القارئ بقوة سردية مذهلة”، مشيدا بقدرة الخنوسي على تحويل الألم الفردي إلى نص أدبي يحمل بُعدا إنسانيا واسعا.في سابقة نادرة في الساحة الأدبية الهولندية، استطاعت رواية جديدة أن تُحدث هذا القدر من الضجة النقدية والجماهيرية منذ صدورها. فقد نالت رواية "أوروبا" للكاتبة المغربية-الهولندية «صفاء الخنوسي» تقييمات مبهرة، وحققت حضورًا لافتًا في قوائم الكتب الأكثر مبيعًا، كما احتلت موقعًا مميزًا ضمن معظم لوائح "أفضل إصدارات عام 2024". إنها عمل أدبي استثنائي، لا يُقرأ فقط بل يُعاش، في كل تفاصيله وطبقاته السردية المتشابكة.
نُشرت الرواية عن دار
"بليوم"، وتضم بين دفّتيها 391 صفحة، بما يعادل نحو 95 ألف كلمة، تتوزع على
مشاهد غنية من أوروبا ما بعد الاستعمار، كما رآها وعاشها مهاجرون، منبوذون، وفنانون
من خلفيات متعدّدة.
تدور القصة حول «سالومي
أبيرجيل»، فنانة يهودية مغربية، عرفت بمعارضتها السياسية، وتختفي فجأة في ذروة مسيرتها
الفنية. إن هذا الاختفاء الغامض يُفجّر سلسلة من التفاعلات بين عدد من الشخصيات التي
تنتمي جميعها إلى خلفيات مهاجرة ومنبوذة. كل منهم يحمل أعباء ماضيه، ويبحث عن ذاته
في حاضر أوروبي غريب، مترنح بين الأمل والتيه.
من بين هؤلاء، نجد
«هند العريان»، نادلة تعمل بدوام جزئي، وتدمن الحشيش بدوام كامل، والتي تجد نفسها فجأة
في مهمة غير متوقعة: حراسة لوحات سالومي في غيابها. بينما يُطارَد «إيراد أبيرجيل»،
ابن سالومي وصاحب حانة باريسية، بأشباح ماضي والدته. أما «يوسف السلاوي»، المعروف بلقب
"الحاج"، فيحاول استعادة ما تبقى من إنسانيته بعد أن عمل محققًا سيئ السمعة
في السجون السرية المغربية خلال "سنوات الرصاص".
تنقلنا الرواية ببراعة
من بيت سالومي المهجور في أمستردام إلى شوارع باريس وتونس والقاهرة والدار البيضاء.
الرحلة لا تسلك خطوطًا سياحية تقليدية، بل تتسلل عبر الأزقة، المقاهي، الحمامات، والحانات،
لتشكّل ما يمكن وصفه بـ"الدائرة الحادية والعشرين" – فضاء أسطوري، رمزي،
لا يُرى بالعين المجردة، لكنه يحضر بعمق في تفاصيل الحياة اليومية لهؤلاء "الأوروبيين
من الظل".
رواية "أوروبا" ليست فقط رواية متعددة الأصوات، بل هي أيضًا مغامرة لغوية
وسردية في آن واحد. لغة النص تتقاطع فيها العاميات والهويات، وتعيد تركيب الجغرافيا
النفسية للمنفى. لقد نجحت صفاء الخنوسي في تقديم عمل نابض بالحياة، مفعم بالحيوية،
يلامس الواقع، ويقترح في الوقت نفسه تأملًا عميقًا في مفاهيم الانتماء والهوية والمصير.
ما يُميز هذه الرواية
أنها لا تسعى إلى تقديم أجوبة، بل إلى تعقيد الأسئلة: من هو الأوروبي؟ ما معنى أن تكون
جزءًا من قارةٍ تخشى ماضيها الاستعماري وتتهرب منه؟ إلى أي مدى يمكن أن تُعيد الفن
والذاكرة الفردية رسم حدود الجغرافيا السياسية والثقافية؟ أسئلة تتقاطع فيها السياسة
بالتاريخ، والحميمي بالعام، لتمنح القارئ تجربة غنية تُعيد تشكيل وعيه بالذات والآخر.
رواية "أوروبا"
تُعد شهادة أدبية مدهشة على التحوّلات الكبرى في عالم ما بعد الاستعمار، ومرآة جريئة
تعكس كواليس العيش في ظل العزلة، المنفى، والذكريات الجريحة. إنها أولى أعمال صفاء
الخنوسي، لكنها تُنبئ بولادة صوت روائي جريء، قادر على اجتراح مساحات جديدة في الأدب
الهولندي والعالمي، من موقع المنفى والهامش، لا من قلب المركز.
عملٌ لا يُفوّت، وقارئة
أو قارئ لن يُغادر صفحاته الأخيرة إلا متسائلًا عن العالم الذي نظنه نعرفه، وعن أنفسنا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق