في خطوة تُعد اعترافًا عالميًا جديدًا بتجربة أدبية عربية راسخة، أعلنت جامعة أوكلاهوما بالتعاون مع مجلة عالم الأدب اليوم عن القائمة القصيرة لجائزة "نيوستاد العالمية للأدب" لعام 2026، وقد تضمنت هذه القائمة المرموقة اسم الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله، في لحظة أدبية تستحق التوقف عندها والتأمل في رمزية الحضور الفلسطيني على منابر الجوائز الكبرى.
جائزة نيوستاد، التي توصف كثيرًا بأنها "نوبل الأمريكية"، لا تمنح نفسها بسهولة. فهي تأتي كل عامين لتكرّم، عبر ترشيحات دقيقة واختيارات حذرة من نقاد وأكاديميين وكتّاب عالميين، اسمًا واحدًا فقط ترك أثرا عميقًا في عالم الأدب، تأثيرًا يمتد عبر حدود اللغة والجغرافيا. ومن بين أبرز من نالوا الجائزة أو ترشحوا لها في دورات سابقة: غابرييل غارسيا ماركيز، وأوكتافيو باث، وآسيا جبار، وإسماعيل كاداريه – أسماء أصبحت رموزًا أدبية عالمية.
القائمة القصيرة لهذا العام جمعت تسعة كتّاب وكاتبات من مختلف القارات: من أمريكا وفرنسا إلى الصين وتركيا وأوكرانيا، ليظل حضور نصر الله، بوصفه الصوت العربي الوحيد في هذه الدورة، مدعاة فخر للثقافة الفلسطينية والعربية عمومًا، ومؤشرا على تزايد الاعتراف الدولي بالأدب القادم من العالم العربي.
لم يكن وصول نصر الله إلى هذه القائمة محض صدفة أو مجاملة ثقافية، بل تتويجًا لمسار طويل من الكتابة التي تراكمت وعيًا وجمالًا ومقاومة. فقد صدر له حتى اليوم 16 ديوانًا شعريًا و26 رواية، تتوزع بين مشاريعه السردية الكبرى، وفي مقدمتها "الملهاة الفلسطينية" – هذا المشروع الأدبي الفريد الذي يعيد سرد أكثر من 250 عامًا من تاريخ فلسطين من خلال عدسة الرواية. إلى جانب ذلك، قدّم مشروع "الشرفات"، وأعمالًا تستكشف الذاكرة والهوية والمنفى والواقع العربي.
وقد نال نصر الله خلال مسيرته عددًا من الجوائز الرفيعة، بينها الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، وجائزة كتارا (مرتين)، وجائزة عرار للشعر، وجائزة تيسير سبول للرواية، وجائزة فلسطين للآداب، فضلًا عن الجائزة العالمية للشعر في تركيا. كما تُرجمت أعماله إلى أكثر من 15 لغة عالمية، وكتبت عنها أكثر من ثمانين أطروحة أكاديمية بين الماجستير والدكتوراه، مما يعكس عمق الحضور البحثي لأدبه في الجامعات العالمية.
ترشيح نصر الله اليوم ليس مجرد احتفاء بفرد، بل هو احتفاء بلغة حملت قضيتها في عروقها، وبكاتب جعل من الكلمة سلاحًا ومن الذاكرة حصنًا. إنه تأكيد على أن الأدب الفلسطيني، ورغم كل المآسي، لا يزال قادرًا على اقتناص الضوء في المساحات العالمية، وأن الرواية والشعر حين يُكتبان بصدق، يبلغان مدارات لا تحدّها الجغرافيا ولا تحاصرها السياسة.
من قلب المخيمات الفلسطينية إلى جامعات أمريكا، ومن صمت الاحتلال إلى لجان الجوائز الأدبية، يمتد صوت إبراهيم نصر الله شاعرًا للمقاومة، وروائيًا للتاريخ، وساردًا للهوية. وسيبقى ترشيحه هذا، سواء فاز بالجائزة أو لم يفز، علامة مضيئة في مسيرة الأدب العربي المعاصر.
0 التعليقات:
إرسال تعليق