أن تكتب الشعر وأنت تمثل دولتك، ليس مجرد ازدواج وظيفي، بل هو نوع من التوازن الدقيق بين الانضباط والحرية. الشاعر الدبلوماسي يترجم سياسات بلاده، لكنه أيضًا يترجم آلامها، وأحلامها، وأصواتها الخفية. يكتب رسائل غير رسمية، بختم القلب لا بختم الدولة، ويصوغ علاقات دافئة بين الشعوب خارج جليد المصالح.
في الشعر، لا يتحدث
الدبلوماسي بلغة البروتوكول، بل بلغة الكثافة والعاطفة. وهنا، نكتشف في قصائدهم بوحًا
داخليًا لا نلمسه في خطبهم أو بياناتهم. هناك من كتب عن مدن المنافي، عن نساء تركن
أثرًا على منديل الذاكرة، عن أطفال الحروب الذين لم يجدوا ملاذًا إلا في سطور الشعر.
وهناك من وجد في الشعر وسيلة لمقاومة القمع، والرقابة، والنسيان.
إن تجربة الشعراء الدبلوماسيين
تستحق اليوم أن تدرس، ليس فقط من باب الأدب، بل من باب فهم آليات "القوة الناعمة"،
وكيف يمكن للكلمة أن تكون جسرًا بين الشعوب، في وقت أصبحت فيه اللغة الرسمية عاجزة
عن رأب الصدوع. إنهم شهود على زمنين: زمن العلاقات الدولية وزمن الانفعالات الشخصية،
وهم بذلك يضيفون إلى العالم لغة ثالثة، تنتمي لا للسياسة وحدها، ولا للشعر وحده، بل
لما يمكن تسميته بـ"الديبلوماسية الشعرية".
في النهاية، قد يكون
الشعر هو أصدق وثيقة ديبلوماسية، لا تحتاج إلى ختم القنصلية، بل فقط إلى قلب صادق،
وقصيدة قادرة على أن تمحو أثر الحدود من الخرائط، وتعيد رسمها بألوان الطفولة والحلم.
عبده حقي
كاتب مغربي
0 التعليقات:
إرسال تعليق