الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، سبتمبر 18، 2025

لباس الحشمة بديلاً عن إلزام العباءة : عبده حقي


يمثل إعلان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بخصوص إلغاء إلزامية ارتداء العباءة السوداء أو الحجاب للنساء، لحظة سياسية واجتماعية مفصلية في مسار التحولات التي تعرفها المملكة. إن هذا القرار هو من دون شك انعكاس لرؤية سياسية متكاملة تندرج ضمن مشروع "رؤية السعودية 2030"، ويؤشر إلى إعادة بناء العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس الحرية والحقوق الفردية، مع الحفاظ على القيم الإسلامية في إطار أكثر انفتاحًا وتسامحًا.

في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على قناة سي بي إس الأميركية، قدّم ولي العهد توضيحات دقيقة حول خلفيات هذه الخطوة. حيث أكد أن ارتداء العباءة السوداء ليس ملزماً للمرأة السعودية، بل إن الأساس هو الالتزام بالحشمة. وأوضح أن القوانين في المملكة واضحة، فهي لا تفرض العباءة أو غطاء الرأس الأسود، بل تلزم النساء ـ مثل الرجال ـ بارتداء ملابس محتشمة ومحترمة. وبذلك وضع الأمير محمد بن سلمان النقاش في سياقه الحقوقي، ليجعل من القرار خطوة نحو منح المرأة استقلالية أكبر في اختيار مظهرها.

كما أضاف أن الأمر لا يقف عند حرية اللباس، بل يتجاوزه إلى مبادرات سيتم إطلاقها قريباً، على رأسها تفعيل أنظمة لضمان المساواة في الأجور بين الرجال والنساء، في خطوة تعكس الرغبة في تمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا.

وعند سؤاله حول قيادة المرأة للسيارات، شدد ولي العهد على أن المرحلة الصعبة انتهت، وأن معاهد جديدة لتعليم القيادة تم تأسيسها وستُفتتح قريبًا، بما يعزز من اندماج المرأة في الحياة اليومية دون عراقيل.

سياسيًا، يندرج هذا التوجه ضمن استراتيجية واضحة تهدف إلى بناء شرعية جديدة للسلطة ترتكز على الإصلاح والانفتاح، بدل الارتهان للتحالف التقليدي بين المؤسسة الدينية والدولة. فولي العهد يسعى إلى نقل مركز الثقل نحو دولة المؤسسات والقانون، حيث تلعب الدولة الدور المبادر في قيادة التغيير الاجتماعي. هذا التحول يمنح النظام السياسي دينامية جديدة، ويضعه في موقع قوة أمام الضغوط الداخلية والخارجية.

اجتماعيًا، يعكس القرار انتقال المرأة من وضع "التابع" إلى وضع "الشريك الفاعل". فالحرية في اختيار اللباس تفتح الباب أمام تعزيز الثقة بالذات، والمشاركة في الحياة العامة دون الخوف من الوصاية أو الضغوط. كما أن مبادرات المساواة في الأجور وقيادة السيارات تكشف أن المشروع الإصلاحي لا يتوقف عند الرمزية، بل يلامس عمق العدالة الاجتماعية، ويعيد الاعتبار للمرأة كركيزة أساسية في التنمية الوطنية.

ورغم الطابع التقدمي لهذه الخطوات، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، خاصة مع وجود تيارات محافظة قد ترى في هذه القرارات تهديدًا لمرجعيتها. غير أن الرهان الأساسي لولي العهد يقوم على الثقة في الأجيال الشابة التي تشكل غالبية المجتمع، وهي أكثر استعدادًا لتبني الإصلاحات والانخراط في مشروع التحديث.

إن ما عبّر عنه الأمير محمد بن سلمان، سواء في تصريحاته الداخلية أو عبر الإعلام الدولي، لا يقتصر على ملف اللباس، بل يعكس تحولاً جذريًا في المجتمع السعودي وفي طريقة تموضع المملكة القوي في العالم. إنها لحظة تؤسس لما يمكن تسميته بـ"السعودية الجديدة"، دولة تحافظ على هويتها الدينية والثقافية، لكنها تتبنى في الآن ذاته قيم الحرية، المساواة، والانفتاح. وهكذا يُعاد تقديم المملكة كقوة حضارية قادرة على التكيف مع العصر وصنع نموذجها الإصلاحي الفريد.

0 التعليقات: