الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، أغسطس 05، 2025

اتفاقية 1721 بين المغرب وبريطانيا: دليل قانوني على مغربية الصحراء: عبده حقي


في الوقت الذي تتجاذب فيه الأطراف الدولية مواقفها بشأن ملف الصحراء المغربية، وفي ظل توالي الاعترافات الدبلوماسية والدولية بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، تعود إلى الواجهة وثيقة تاريخية قلّما يشار إليها في النقاش المعاصر، وهي تلك التي تعود إلى سنة 1721، عندما اعترفت المملكة المتحدة رسميًا بمغربية الصحراء، قبل قرون من بروز النزاع الحالي على الساحة الدولية.

إن هذا الاعتراف، الذي يعود إلى مطلع القرن الثامن عشر، يُشكّل حجر أساس قانونيًا وتاريخيًا في ملف ظل لعقود طويلة رهين التفسيرات الانتقائية، والتأويلات السياسية، والتدخلات الإقليمية ذات الأجندات المتشابكة. فماذا تقول هذه الوثيقة؟ وما السياق التاريخي الذي أحاط بها؟ ولماذا تكتسي اليوم أهمية متجددة في الدفع نحو الحل السياسي الذي يقوده المغرب ويزكّيه المجتمع الدولي؟

في سنة 1721، جرى توقيع اتفاقية بين سلطان المغرب مولاي إسماعيل والمملكة المتحدة، وهي اتفاقية ذات طابع تجاري ودبلوماسي، نصت في إحدى فقراتها بوضوح على اعتراف بريطانيا بسيادة السلطان المغربي على كامل أراضيه، بما فيها منطقة الصحراء. وقد جاء هذا الاعتراف في سياق سعي بريطانيا لتأمين طرقها التجارية البحرية مع الحوض المتوسطي، ولاحقًا مع غرب إفريقيا، ولذا حرصت على تثبيت العلاقات السلمية مع المغرب، القوة الإقليمية البارزة حينها في شمال إفريقيا.

وتشير الوثائق المحفوظة في الأرشيف الملكي البريطاني إلى استخدام عبارة

"His Majesty of Morocco and all his dominions" (جلالة سلطان المغرب وكافة أراضيه)، وهي صيغة تؤكد وحدة التراب المغربي كما كانت قائمة في القرن الثامن عشر، دون أي استثناء أو تجزئة.

في القانون الدولي، يُعتدّ بالاتفاقيات الثنائية بين الدول كمرجع قانوني يُثبت الوقائع السياسية والحدود السيادية. واعتراف طرف دولي مثل بريطانيا، التي كانت في تلك الحقبة إمبراطورية بحرية كبرى، بمغربية الصحراء يُعدّ سندًا قانونيًا وسياسيًا قويًا لصالح المغرب في ملف ظل خاضعًا للتأويلات منذ انسحاب الاستعمار الإسباني سنة 1975.

وقد أشار العديد من الخبراء في القانون الدولي إلى أن الاعترافات التاريخية، وإن كانت قديمة، فإنها تكتسي قوة داعمة للمواقف الحديثة، خصوصًا حين تُستخرج من سياقات تعاقدية رسمية بين دول ذات سيادة. وفي هذا الإطار، تُعتبر اتفاقية 1721 لبنة أساسية في بناء شرعية الموقف المغربي إزاء الصحراء.

لم تكن منطقة الصحراء الغربية، يومًا، أرضًا "بلا سيد" أو مجالاً فارغًا كما حاولت بعض الأطروحات الاستعمارية أن تصورها. بل كانت جزءًا لا يتجزأ من الدولة المغربية بمختلف مراحلها التاريخية، من المرابطين والموحدين إلى السعديين والعلويين. وكانت قبائل الصحراء تُقدّم البيعة للملوك المغاربة، وتشارك في الحملات العسكرية، وتخضع لسلطة المخزن.

وقد أكد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية سنة 1975 وجود روابط بيعة تاريخية بين سكان الصحراء والعرش العلوي، وهو ما يُعدّ دليلاً إضافيًا على استمرارية السيادة المغربية في هذه الأقاليم.

اليوم، بينما يزداد زخم التأييد الدولي لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل سياسي واقعي، تبرز هذه الوثيقة البريطانية كمرجع تاريخي له وزنه في المعركة القانونية والدبلوماسية. فبعدما اعترفت الولايات المتحدة رسميًا بسيادة المغرب على صحرائه سنة 2020، وتبعتها العديد من الدول الأوروبية والإفريقية والعربية، يكتسي تسليط الضوء على اعتراف 1721 بعدًا استراتيجيا لإبراز عمق الجذور الدبلوماسية في هذا الملف.

كما أن إحياء هذه الوثيقة يسحب البساط من الأطروحات الانفصالية التي تزعم غياب أي سند تاريخي لمغربية الصحراء، ويؤكد في المقابل أن المغرب لم يكن يومًا قوة استعمارية في تلك الأقاليم، بل كان يمارس سيادته عليها ضمن وحدة ترابية قائمة منذ قرون.

إذا كان الاعتراف البريطاني سنة 1721 قد مرّ لعقود طويلة في صمت داخل الأرشيفات، فإن إثارة النقاش حوله اليوم يطرح تساؤلات بشأن موقف بعض الدول الأوروبية التي ما زالت تتعامل بتحفظ مع ملف الصحراء، رغم وضوح المعطيات التاريخية. فبريطانيا نفسها، التي سبقت الجميع في هذا الاعتراف، تبدو اليوم أكثر انفتاحًا على مقاربة واقعية للنزاع، وإنْ لم تُعلن بعد موقفًا صريحًا مثل واشنطن.

وقد يكون الوقت قد حان لكي تُراجع الدول الأوروبية مواقفها "الحيادية"، في ضوء هذا النوع من الوثائق التاريخية التي لا تترك مجالًا للشك في سيادة المغرب على أراضيه الجنوبية.

إن وثيقة 1721 ليست مجرد ورقة تاريخية تم نسيانها في الأرشيف، بل هي شهادة حية على أن قضية الصحراء المغربية ليست وليدة نزاع معاصر، بل لها جذور ضاربة في عمق التاريخ الدبلوماسي بين المغرب وشركائه الدوليين. ولأن التاريخ لا يُمحى، فإن استثماره في تعزيز المواقف السياسية والقانونية اليوم يُعدّ من ضرورات معركة الدفاع عن وحدة المغرب الترابية.

إن استعادة هذه الوثائق، وتسليط الضوء عليها في المحافل الدولية، يُعدّ خطوة نحو كشف الحقائق المغيّبة، وتفنيد الأطروحات المفبركة، وتحقيق العدالة التاريخية لشعب لم ينفصل يومًا عن صحرائه، ولم تنفصل صحراؤه عنه.

0 التعليقات: