في مبادرة ثقافية جديدة، تعلن منشورات رامينا في لندن، عن إطلاق سلسلة مخصّصة لنشر الكتب باللغة السريانية. وتأتي هذه المبادرة في إطار توجّه الدار نحو دعم اللغات الأصيلة والهويات الثقافية المهمّشة في منطقة الشرق الأوسط.
وتُعدّ اللغة السريانية من أقدم اللغات السامية، وما زالت تُستخدم في طقوس دينية وأدبية ويومية لدى المجتمعات الآشورية والكلدانية والسريانية، لا سيما في سوريا والعراق وتركيا، إلى جانب الانتشار الواسع في المهجر. ورغم ما تختزنه من ثراء لغويّ وثقافيّ، فإنّ هذه اللغة تواجه مخاطر الاندثار بسبب الحروب والنزوح وتهميش اللغات غير الرسمية في السياسات التعليمية والثقافية.
وفي هذا السياق، تستند السريانية إلى إرث أدبيّ وفكريّ عميق تركه كبار الكتّاب والمفكرين الذين أبدعوا بها على مدى قرون. هذا الإرث الغني يمنح اللغة السريانية مكانة فريدة في تاريخ الأدب العالمي، ويشكّل منبعاً ملهماً لأي مبادرة تُعنى بإحياء هذه اللغة وإنتاج محتوى أدبي معاصر بها.
تأتي هذه السلسلة الجديدة من منشورات رامينا ضمن مشروع أوسع يسعى إلى إعادة الاعتبار للغات المهمّشة عبر النشر والترجمة، وجعلها حاضرة في المشهد الثقافي المعاصر. وسيكون أول إصدار في هذه السلسلة ديوان شعري للشاعر السرياني المقيم في هولندا جوزيف كورية، بعنوان "رسائل ما وراء الحدود".
عملت الدار بالتعاون مع الشاعر على تقديم صيغة تسهّل الوصول إلى النص السرياني لقرّاء الشتات، من خلال تضمين الكتاب: الديوان كاملاً باللغة بالسريانية، ثم الديوان كاملاً بالحروف العربية للفظ السرياني مع ترجمة عربية، ثمّ الديوان بالحروف اللاتينية مع ترجمة بالإنجليزية. وتهدف هذه الصيغة إلى دعم متعلّمي السريانية، ومحبّيها، ومن لا يتقنون كتابتها في المهجر، ممّا يسهم في إعادة وصل الأجيال بلغتهم الأم.
وأعرب الشاعر جوزيف كورية عن سعادته بصدور ديوانه ضمن هذه المبادرة قائلاً: "يشرفني أن يكون هذا العمل فاتحة سلسلة تهدف إلى إعادة الاعتبار للغة السريانية كوسيلة حية للتعبير الأدبي. وهي بالنسبة لي لحظة رمزية تحمل في طياتها إصراراً على البقاء والكتابة رغم كل محاولات المحو والتهميش."
وفي هذا السياق، قال الكاتب هيثم حسين، المدير العام لمنشورات رامينا: "نحن في رامينا نعتبر أن الدفاع عن اللغات الأصلية هو دفاع عن الذاكرة الجماعية لشعوبنا. إطلاق سلسلة باللغة السريانية هو جزء من التزامنا بحماية ما تبقى من ملامح هذا التنوّع، في مواجهة سياسات التذويب الثقافي والنسيان والتهميش."
وأضاف: "تُعاني سوريا، كما هو الحال في دول مجاورة، من تهميش لغات عديدة كالكردية والسريانية والأرمنية، رغم أنّ هذه اللغات تمثل مكونات أساسية من النسيج الثقافي والتاريخي للمنطقة. لذلك نسعى في منشورات رامينا إلى كسر هذا التهميش من خلال النشر والترجمة ودعم الكتّاب الذين يكتبون بلغاتهم الأم."
وتسعى منشورات رامينا إلى بناء جسور بين الثقافات من خلال الترجمة والنشر بلغات متعدّدة، بما في ذلك العربية، الكردية، الإنجليزية، البوسنية، وها هي الآن تُضيف السريانية إلى قائمة لغاتها المعتمدة. وتعمل الدار على تعزيز الأدب المستقلّ وتوفير مساحة حرة للأصوات الأدبية والفكرية من مناطق الصراع والهامش.
وتشمل السلسلة الجديدة ترجمة أعمال إلى السريانية، إلى جانب إصدار أعمال أصلية لكُتّاب يتناولون قضايا الهوية واللغة والمنفى. كما تعمل الدار بالتعاون مع لغويين وخبراء في السريانية لضمان جودة الترجمة والإصدار.
وتدعو منشورات رامينا الكُتّاب والشعراء والباحثين الذين يكتبون باللغة السريانية، سواء في الوطن أو في المهجر، إلى التواصل مع الدار (www.raminabooks.com) لعرض مخطوطاتهم واقتراحاتهم. وترحّب الدار بالأعمال الأدبية، الشعرية، الفكرية، والترجمات، بهدف دعم الإنتاج الثقافي باللغة السريانية وإيصال صوت أصحابها إلى قرّاء جدد حول العالم، في إطار رؤية شاملة لصون التنوّع اللغويّ وتعزيزه.
0 التعليقات:
إرسال تعليق