الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، يونيو 22، 2025

إسبانيا والنقابات العمالية في فخ الدعاية الانفصالية: عبده حقي


رغم ما يبدو عليه من رمزية حقوقية، لا يمكن فصل قرار مؤتمر اللجان العمالية الإسبانية (CCOO)  بدعم ما يسمى بـ"النضال العادل للشعب الصحراوي" عن السياق الأيديولوجي والسياسي الذي غذى تاريخيًا مواقف بعض التيارات اليسارية الأوروبية تجاه ملف الصحراء المغربية. في هذا القرار، كما في مشاركة "الجمهورية الصحراوية الوهمية" في اجتماع المنتدى العالمي للاجئين بمابوتو، يتكرر مشهد مألوف: محاولة استغلال المنابر الحقوقية والإنسانية لتمرير سردية انفصالية متهالكة تتنافى مع الواقع القانوني والسياسي للمنطقة.

إن موقف مؤتمر CCOO لا يعكس حقيقة الإجماع الإسباني الرسمي والشعبي حول العلاقات الاستراتيجية مع المغرب، بل هو امتداد لميراث يساري تقليدي يختزل النزاعات الجيوسياسية في ثنائيات قديمة: مستعمِر ومستعمَر، ظالم ومظلوم. هذا الخطاب يتجاهل عن قصد المتغيرات الكبرى التي طرأت على ملف الصحراء المغربية منذ تقديم المغرب لمبادرة الحكم الذاتي سنة 2007، والتي اعتبرها مجلس الأمن "جادة وذات مصداقية" وتمثل أساسًا واقعياً لحل دائم.

أما توصيف القرار الأممي للنزاع في الصحراء، فقد تغيّر منذ عقود من كونه قضية "تصفية استعمار" إلى كونه نزاعًا إقليميًا ذا طبيعة سياسية، يتطلب حلاً تفاوضياً يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، وفي مقدمتها سكان الأقاليم الجنوبية الذين يشاركون في الانتخابات المغربية ويتمتعون بتمثيلية مؤسساتية داخل البرلمان والمجالس الجماعية والترابية.

ما يسمى بـ"الجمهورية الصحراوية"، التي لا تعترف بها الأمم المتحدة ولا أغلب الدول الأعضاء فيها، وجدت في الاجتماع الفني لتقييم تعهدات المنتدى العالمي للاجئين مناسبة لإعادة تدوير خطاب المظلومية. لكن الواقع يقول غير ذلك. فاللاجئون الصحراويون في مخيمات تندوف لا يخضعون لأي تسجيل رسمي لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ما يجعل عددهم الحقيقي موضع شك، ويمنح جبهة البوليساريو هامشًا واسعًا للتلاعب بالمساعدات الإنسانية وتحويلها، كما أثبتت تقارير أوروبية عديدة أبرزها تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الغش (OLAF) سنة 2015.

إن الحديث عن "الوضع الفريد للاجئين الصحراويين" يفتقر إلى أي موضوعية علمية أو إنسانية، بل يغفل عمداً أن هؤلاء محتجزون منذ نصف قرن في ظل نظام مغلق يفتقد للشفافية، ويسيطر عليه تنظيم سياسي-عسكري مدعوم من الجزائر. فمن المفارقة أن من يدّعي الدفاع عن حقوق اللاجئين هو ذاته من يمنعهم من حرية التنقل، وحرية التعبير، وحتى من العودة إلى أرضهم في إطار مبادرة الحكم الذاتي المغربية التي تضمن لهم كرامة العيش والمشاركة في إدارة شؤونهم.

في مقابل هذا الترويج الإعلامي المضلل، تعرف مبادرة الحكم الذاتي المغربية دينامية دولية متسارعة. فخلال السنوات الأخيرة، فتحت أكثر من ثلاثين دولة قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة، وهو اعتراف ضمني بمغربية الصحراء. كما أن دولاً وازنة كألمانيا، إسبانيا، الولايات المتحدة، وهولندا والدانمارك وفرنسا أعلنت دعمها الصريح للمبادرة المغربية باعتبارها الإطار الوحيد الواقعي والعملي لتسوية النزاع.

إن المبادرة المغربية لا تقوم فقط على تسوية سياسية، بل تحمل في طياتها تصوراً متكاملاً للتنمية والعدالة والتمثيلية المحلية، وهو ما يتجلى في المشاريع الكبرى التي تعرفها الأقاليم الجنوبية، من موانئ ومناطق حرة، إلى استثمارات في الطاقات المتجددة، والبنية التحتية، والرعاية الاجتماعية.

لا يمكن فهم استمرار هذا التجييش النقابي والإعلامي ضد المغرب دون إدراك الدور المحوري للنظام الجزائري في تحريك دمى "الجمهورية الصحراوية المزعومة". فالجزائر، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، تستثمر في البوليساريو ليس دفاعًا عن مبدأ تقرير المصير، وإنما بهدف إضعاف المغرب إقليميًا والتحكم في مخرجات الصراع. غير أن الواقع الحالي يكشف تراجع هذا المشروع أمام صلابة الدبلوماسية المغربية وتنامي الوعي الدولي بعبثية الطرح الانفصالي.

إن ما يسمى بـ"النضال العادل للشعب الصحراوي" لم يعد يقنع سوى الحلقات المعزولة التي تعيش في ماضٍ إيديولوجي تجاوزه التاريخ. فاليوم، يعيش سكان الصحراء المغربية في ظل مؤسسات منتخبة ومشاريع مستقبلية، في حين يبقى "اللاجئون" في تندوف رهائن خطاب بائس يعيد إنتاج نفسه في مؤتمرات لا تملك أي سلطة تنفيذية ولا تأثير حقيقي في السياسات الدولية.

لقد آن الأوان لتجاوز الشعارات المتآكلة، والنظر بواقعية إلى المبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها المخرج العادل، الواقعي، والضامن لكرامة الجميع.

0 التعليقات: