في تطور ميداني لافت جدا يكشف أبعادًا مقلقة للتحالفات العسكرية الجزائرية خارج حدودها، وردت تقارير مؤكدة عن «مصرع أربعة ضباط جزائريين برتب رفيعة» في «العاصمة الإيرانية طهران»، وذلك خلال «القصف الإسرائيلي المكثف على مواقع الحرس الثوري الإيراني» في سياق الحرب المتصاعدة بين إيران وإسرائيل. ويتعلق الأمر بكل من «لمين زوقار، مصطفى دحروش، السعيد راشدي، وتاج الدين مغولي»، وهم من أبرز القيادات الأمنية والعسكرية الجزائرية المعروفة بقربها من دوائر القرار الاستخباراتي في البلاد.
لم يكن سقوط هؤلاء
الضباط حدثًا معزولًا أو صدفة زمنية مؤسفة. فوجودهم في مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني
في طهران يؤكد فرضية «التحالف غير المعلن بين النظام الجزائري والنظام الإيراني»، وهو
تحالف يتجاوز التفاهمات السياسية والدبلوماسية إلى «مستويات تدريب عسكري واستخباراتي
مشترك». وبحسب مصادر متعددة، تم إرسال عناصر من المخابرات الجزائرية بصفة دورية إلى
طهران أو دمشق للتدريب على تكتيكات حرب العصابات، تقنيات التجسس، والاختراق الإعلامي
الرقمي، ضمن ما يُعرف بـ"مدرسة الحرس".
لطالما استخدم النظام
الجزائري حجج "السيادة" و"الحياد" في تعامله مع ملفات الشرق الأوسط،
لكن الوقائع الميدانية تكشف نقيض ذلك. فالنظام الجزائري، منذ 2011 على الأقل، حافظ
على «خطوط مفتوحة مع محور إيران – سوريا – حزب الله»، في سياق ما تسميه أوساط أمنية
بـ"محور مقاومة الناتو". غير أن «تورط ضباط كبار في مواقع استهدفتها الطائرات
الإسرائيلية لا يمكن تبريره بسياحة دبلوماسية»، بل يكشف عن تنسيق عسكري فعلي في مجال
«التدريب المشترك وربما التخطيط العملياتي».
هذا السؤال يجب أن
يُطرح بجدية في المحافل الدولية: «لماذا يرسل بلد مغاربي غير مشارك رسميًا في النزاع
إلى جبهات بعيدة لتدريب قواته الأمنية والعسكرية؟» الجواب يرتبط بعقيدة النظام القائم
في الجزائر، وهي «عقيدة تقوم على الأمن قبل السياسة»، وعلى تحصين الداخل بتحالفات أمنية
مشبوهة مع أنظمة ثيوقراطية أو عسكرية، ما دام ذلك يضمن «استمرارية النظام وليس استقرار
الشعب».
يرى بعض المحللين أن
الجزائر، بفعل عزلتها المتزايدة، تسعى إلى تعويض فقدان الحلفاء الغربيين بدخول محور
الممانعة، لا كمشارك سياسي، بل كمستفيد من بنيته الأمنية القمعية. وقد سبق للجزائر
أن استعانت بخبراء من «كوريا الشمالية، وإيران، وسوريا» لتدريب قوات مكافحة الشغب،
وإدارة حملات التضليل الإعلامي، ومواجهة شبكات المعارضين في الخارج.
ما حدث في طهران «ينسف
بالكامل الرواية الرسمية الجزائرية حول الحياد الإقليمي». إن وجود ضباط مخابرات جزائريين
في مواقع عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني يفتح الباب لتساؤلات خطيرة: هل تشارك
الجزائر فعليًا، بشكل سري، في الحرب الدائرة؟ وهل تسمح بدفع أبنائها إلى صراعات لا
علاقة لها بالمصالح الوطنية؟
كما أن الحادث يكشف
هشاشة مفهوم السيادة الجزائرية نفسه، إذ كيف يمكن لدولة تدّعي "عدم الانحياز"
أن تزج بأجهزتها في نزاع دولي معقد، يُحتمل أن تكون له «انعكاسات مباشرة على أمنها
الداخلي» في حال رُصدت عمليات انتقامية أو تجنيد غير قانوني لعناصر داخل التراب الوطني؟
لا يمكن فصل ما حدث
عن سياق أوسع يشمل «الدعم الإيراني الموثق لجبهة البوليساريو»، عبر توفير طائرات مسيرة
وذخائر من خلال وسطاء في الساحل والصحراء. وقد سبق للعديد من التقارير الغربية والإسرائيلية
أن حذرت من أن «إيران تستخدم الجزائر كنقطة عبور أو تدريب لجماعات انفصالية تهدد الاستقرار
الإقليمي»، بما في ذلك مناطق شمال إفريقيا.
بالتالي، فإن «تدريب
ضباط جزائريين في إيران» لا يبدو بريئًا، بل يدخل ضمن هندسة جيوسياسية جديدة تضع الجزائر
في قلب تحالفات تخريبية تقوض السلم الإقليمي، وتضعها في موقف الدولة الراعية للانفصال
والصراع بدل الوساطة والاستقرار.
إن مصرع الضباط الأربعة
في طهران ليس مجرد حادث عرضي، بل «دليل دامغ على عمق التورط الجزائري في التحالفات
العسكرية الموازية»، ودعوة مفتوحة للمجتمع الدولي، وخاصة الدول المغاربية والخليجية،
لإعادة النظر في «تعاملها مع نظام جعل من "الحرس الثوري" مدرسة لبناء ضباطه»
بدل الاعتماد على مقاربات وطنية مستقلة.
لقد تجاوز الأمر حدود
التدريب، ليصل إلى «خيانة مفهوم السيادة والاصطفاف مع قوى فوضوية دولية»، وهو ما يستدعي
حزمًا دبلوماسيًا وإعلاميًا إقليميًا لفضح هذه الشبكات، وتحجيم مخاطرها على الأمن الجماعي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق