في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الدعم الدولي لمغربية الصحراء وتتعزز مواقف التأييد للمبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل واقعي وعملي للنزاع الإقليمي، تواصل ما تُسمى بـ"الجمهورية الصحراوية" وحلفاؤها في الإعلام الرسمي الجزائري حملة منظمة لتشويه الحقائق على الأرض وتضليل الرأي العام الدولي.
ما نراه في هذا السياق ليس مجرد تباين في وجهات النظر، بل محاولة ممنهجة لتزييف الواقع، تحاول حجب الحقيقة الساطعة: أن مغربية الصحراء لم تعد موضع تساؤل سياسي جدي على مستوى المنتظم الدولي، وأن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 يحظى اليوم بدعم واسع يتجاوز الجغرافيا والقارات.
ففي 12 يونيو 2025،
جدّد «مجلس التعاون الخليجي» خلال اجتماعاته في الرباط دعمه الثابت لسيادة المغرب على
الصحراء، مؤكداً أن الموقف الخليجي لم يتغير منذ إعلان المبادرة المغربية، بل ازداد
رسوخاً في ظل الرؤية الواقعية التي يقدّمها المغرب لتسوية هذا النزاع المزمن. لا يمكن
لهذا الموقف سوى أن يُقرأ ضمن الدينامية الدولية المتنامية لصالح الطرح المغربي، الذي
يحترم السيادة الوطنية ويقدم حلاً سياسياً بعيداً عن الأوهام الانفصالية.
في المقابل، يصر الإعلام
التابع للكيان الوهمي ومن يدعمه، على إنتاج سردية مشوهة تُكرّر شعارات من زمن الحرب
الباردة. ففي مقال نشرته منصة MMEGI، تم تقديم مبادرة الحكم الذاتي المغربية على
أنها "إعادة صياغة للاحتلال"، متجاهلين أن المبادرة حظيت بإشادة الأمم المتحدة
وبدعم أكثر من 100 دولة عبر العالم، بما في ذلك قوى مؤثرة مثل الولايات المتحدة، إسبانيا،
وألمانيا والدانمارك... من الغريب أن يتم اعتبار مقترح يمنح الصحراويين صلاحيات واسعة
في تدبير شؤونهم المحلية ضمن السيادة المغربية كـ"انتهاك للقانون الدولي"،
في وقت تغيب فيه أي خطة واقعية من الطرف الآخر، سوى لغة الانفصال والتصعيد.
وعلى نحو لافت، شهد
«البرلمان الجنوب إفريقي» تطوراً سياسياً هاماً يعكس تحولاً في المواقف الإفريقية بشأن
هذا الملف. فقد أعلن «عضو الكنيست الجنوب إفريقي» المنتمي لحزب «MK» دعمه الصريح للمطالب المغربية في الصحراء،
داعياً إلى استعادة العلاقات بين الرباط وبريتوريا، وهو ما شكّل خروجا واضحاً عن الموقف
التقليدي للمؤتمر الوطني الإفريقي الداعم لجبهة بوليساريو. هذا التحول يعكس وعياً متزايداً
داخل إفريقيا بأن دعم الأطروحات الانفصالية بات عبئاً على السياسات الخارجية وليس ورقة
تضامن مبدئي كما يُروّج له.
لكنّ حملة التشويه
لا تقف عند الجانب السياسي، بل تتسلل أيضاً إلى الملفات الاقتصادية والبيئية، كما يتضح
في التقرير الصادر عن «منظمة مراقبة موارد الصحراء الغربية (WSRW)
، الذي يتحدث عن تصدير الرمال من الصحراء إلى جزر الكناري، متناسياً
أن هذه الأنشطة تتم ضمن إطار قانوني وتنموي مغربي يهدف إلى تعزيز الاستثمار والبنية
التحتية في الأقاليم الجنوبية. وتغفل التقارير الدعائية عمداً الإشارة إلى الطفرة الاقتصادية
والسياحية التي تعرفها مدن مثل العيون والداخلة، حيث يتوافد المستثمرون من مختلف الدول،
في ظل بيئة تنموية مستقرة وآمنة.
أما في الجزائر، التي
تواصل دعمها المالي والسياسي والإعلامي لما يسمى بـ"الجمهورية الصحراوية
الوهمية"، فقد عقدت «وزارة التربية الوطنية الجزائرية» اجتماعاً لبحث "سبل
تعزيز المنظومة التعليمية الصحراوية"، في خطوة تكشف حجم التورط الرسمي للدولة
الجزائرية في محاولة شرعنة كيان لا يمتلك أي سيادة حقيقية أو اعتراف واسع، سوى ما يُمنح
له في محافل تم اختزالها إلى منابر للدعاية. فكيف يمكن التحدث عن "نظام تربوي"
لكيان لا يملك أراضي مستقلة أو بنية إدارية حقيقية، دون أن يُدرج ذلك في خانة العبث
السياسي؟
ومع ذلك، فإن المحاولات
الجزائرية لا تتوقف عند الدعم الداخلي، بل تمتد إلى أروقة الأمم المتحدة، حيث خرج «نائب
الممثل الدائم للجزائر» ليتهم المغرب بـ"تزوير الحقائق" أمام لجنة إنهاء
الاستعمار. غير أن ما يُغفل هنا هو أن المغرب لم يعد يقدّم مرافعات دفاعية فقط، بل
بات يعرض إنجازات ميدانية ملموسة: مشاريع تنموية، طرق وموانئ، جامعات ومستشفيات، واستثمارات
في الطاقات المتجددة. هذه المعطيات لا يمكن "تزويرها"، بل هي موجودة على
الأرض وتشهد لها المنظمات الدولية المحايدة والبعثات الدبلوماسية التي تزور الصحراء
بشكل متزايد.
إن ما يُسمّى بـ"تحرير
الصحراء الغربية" ليس سوى عنوان قديم لأسطوانة مشروخة تعجز عن مجاراة التحولات
الواقعية. فاليوم، تدير الجهات الانفصالية مؤسساتها في ظل حماية جزائرية، في معسكرات
تندوف، حيث لا صحافة حرة ولا انتخابات ولا صوت لمعارضة، بل هيمنة لأمن الدولة الجزائرية
على كافة تفاصيل "الجمهورية".
في المقابل، يعيش المواطنون
الصحراويون في الأقاليم الجنوبية المغربية تحت سيادة الدولة، ويتمتعون بحقوقهم السياسية
والمدنية، وينخرطون في الانتخابات، ويشغلون مناصب عليا في المؤسسات الوطنية، ويشاركون
في المسيرة التنموية الشاملة التي تقودها المملكة في إطار الجهوية المتقدمة.
ختاماً، لا يمكن لمنطق
التضليل أن يصمد طويلاً أمام الحقيقة. مغربية الصحراء ليست شعاراً بل واقعاً سياسياً
وتاريخياً وجغرافياً، يحظى بإجماع داخلي ومساندة خارجية متزايدة. أما من يصر على تسويق
الكيان الوهمي، فعليه أن يجيب العالم: أين مؤسساته المنتخبة؟ أين حدوده؟ أين اقتصاده؟
أين مواطنوه الأحرار؟ الأسئلة كثيرة، والأجوبة الوحيدة الصادقة نجدها في رمال العيون
التي لا تكذب، وفي أمواج الداخلة التي تحمل بشائر المستقبل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق