تشهد الجزائر في الآونة الأخيرة واحدة من أكثر مراحلها اضطراباً على مستوى مراكز صنع القرار، حيث تتقاطع مؤشرات التصدع داخل النظام السياسي والعسكري مع تواتر حملات "تطهير" داخل أجهزة الدولة، واعتقالات غير مسبوقة تطال ضباطاً كباراً، بالتوازي مع كشف تقارير عن شبكات سرية وتحركات مريبة لمسؤولين جزائريين في الخارج، لا سيما في روما، العاصمة الإيطالية.
ففي تطور لافت، تناقلت وسائل إعلام مقربة من المعارضة الجزائرية معلومات حول «حملة تطهير سياسية واسعة» شملت شخصيات بارزة مقربة من «بوعلام بوعلام»، المستشار الخاص بالرئيس عبد المجيد تبون، إلى جانب تصفية حسابات داخل دوائر القرار، استهدفت حتى «الأمين العام لرئاسة الجمهورية». ويبدو أن الصراع داخل "الطابق الأخير" من السلطة الجزائرية لا يدور فقط حول الولاءات، بل أيضاً حول من يملك مفاتيح المرحلة المقبلة، في ظل غموض المشهد الرئاسي واقتراب انتخابات محتملة دون وضوح في من يخلف تبون أو يستمر باسمه.
وتأتي هذه التحركات
السياسية المتشنجة في وقت حساس، إذ تم «سجن أكثر من عشرين ضابطاً عسكرياً رفيعاً» من
رتب جنرالات وعقداء، في ما يبدو أنها تصفية داخلية صامتة داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية.
هذه الاعتقالات، وفق ما تشير إليه مصادر متقاطعة، تتعلق بملفات فساد، تجاوز صلاحيات،
وتورط في شبكات مصالح مرتبطة بتبييض الأموال وتهريب الثروات، لكنها تعكس في عمقها قلقاً
من انقلاب داخلي أو تمرد على الأوامر السياسية للقيادة العليا. الجيش، الذي ظل لعقود
العمود الفقري للنظام، يبدو اليوم منقسماً على نفسه، يعاني من ارتدادات تصدع السلطة
السياسية، وقد بات جزءاً من لعبة تصفية النفوذ داخل القصر الرئاسي.
وإذا كانت هذه الهزات
داخلية في ظاهرها، فإن البعد الدولي لم يغب عن المشهد، حيث فجرت تقارير إعلامية ما
وصفته بـ"أسرار مقلقة مخفية في روما"، تتعلق بتحركات مشبوهة لمسؤولين جزائريين
سابقين وحاليين في الساحة الإيطالية. "ألف مؤامرة ومؤامرة من روما"، هكذا
وُصفت تلك العلاقات السرية التي تربط مسؤولين جزائريين بسماسرة دوليين، قضايا استثمارات
مشبوهة، صفقات غير شفافة، وحتى شبكات تجسس متبادلة بين عواصم أوروبية وجيوب جزائرية
داخل روما. وتشير هذه المعطيات إلى وجود مراكز نفوذ خارجية تحرك أطرافاً داخلية في
الجزائر، أو على الأقل تستفيد من التوترات لضمان مصالحها في خضم الفوضى.
في هذا السياق، لا
يمكن تجاهل أن هذه السلسلة من التطورات ليست معزولة، بل تأتي ضمن مشهد سياسي معقد يطبعه
«الانسداد المؤسساتي، وتآكل الشرعية، وصراع الأجهزة»، وهو ما يجعل من أي محاولة لفهم
الواقع الجزائري اليوم، أشبه بقراءة في كتاب من الأسرار غير المكتملة. فكل اعتقال لمسؤول
عسكري، أو إبعاد سياسي، أو تسريب من روما، يعكس وجهاً من وجوه تفكك النظام، أو على
الأقل صراعه مع ذاته.
وتطرح هذه المعطيات
تساؤلات مقلقة حول مستقبل الاستقرار في الجزائر:
هل نحن أمام إعادة
ترتيب هرم السلطة تمهيداً لخلافة مرتقبة؟
أم أن الأمر يتعلق
بمواجهة مفتوحة بين أجنحة لم تعد تتقاسم الرؤية ولا الغنائم؟
وهل يمكن للشارع الجزائري
أن يبقى بعيداً عن كل هذا الغليان في الكواليس، أم أن الانفجار قادم من حيث لا يتوقع
أحد؟
في الخلاصة، لا يبدو
أن ما يجري في الجزائر اليوم مجرد "حملة تطهير" عابرة، بل هو مؤشر على «تحولات
عميقة في البنية الصلبة للنظام»، وربما على نهاية مرحلة كاملة من الحكم المغلق الذي
لطالما خضع لسيطرة أمنية وعسكرية مطلقة. والأيام القادمة ستكون حاسمة ليس فقط لمصير
شخصيات بعينها، بل لمصير دولة بأكملها تبحث عن مخرج من مأزق طويل الأمد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق