في خضم الضجيج الإعلامي والدعائي الذي تروّجه الجزائر وجبهة البوليساريو بشأن الصحراء المغربية، تبرز الحاجة إلى إعادة ترتيب الحقائق وفهم الدينامية السياسية والدبلوماسية التي تؤكد، يوماً بعد يوم، رسوخ سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. ما يُروّج له من مزاعم عن "معركة استقلال مستمرة منذ 50 سنة"، كما جاء في بعض التقارير الغربية، ليس إلا سرديةً متقادمة تستند إلى معطيات منتقاة بعناية لخدمة أجندات إقليمية متشابكة، تتجاهل تطورات المشهد الجيوسياسي والتحولات الميدانية التي كرّست فشل مشروع "الانفصال" وأظهرت وجهاً جديداً للصحراء، عنوانه التنمية والاستقرار.
الادعاء بأن
"المغرب يعرقل استقلال الصحراء الغربية"، يتغافل عن حقيقة قانونية وسياسية
مفادها أن المغرب استعاد أقاليمه الجنوبية سنة 1975 باتفاقية مدريد، بموجب انسحاب إسبانيا،
القوة الاستعمارية، مع إقرار الأمم المتحدة بدوره الإداري والسياسي في المنطقة. منذ
ذلك الحين، لم يكن المغرب قوة احتلال، بل دولة تمارس حقاً سيادياً على أراضيها، مدعوماً
بمبادرات تنموية شاملة، وأبرزها مشروع الحكم الذاتي الذي اعتبره مجلس الأمن "جاداً
وذا مصداقية".
وفي مقابل هذا المسار،
يتكشّف الوجه القاتم للبوليساريو، لا سيما في الحالات الإنسانية التي تتسرب من مخيمات
تندوف، كقصة الشابة صفية، الصحراوية التي تعيش في إسبانيا منذ طفولتها، لكنها وُضعت
رهن "الاحتجاز القسري" في الجزائر منذ أكثر من 19 شهراً دون محاكمة ولا تهمة
واضحة. هذه الحالة، وغيرها كثير، تعرّي ازدواجية الخطاب الذي تدعيه الجزائر حول حقوق
الإنسان، في حين تقف مكتوفة الأيدي أمام معاناة مواطنين تُمنع عنهم حرية التنقل والعودة،
فقط لأنهم لا ينخرطون في مشروع الانفصال المفروض بالقوة داخل المخيمات.
أما استقبال وزير الخارجية
الجزائري، أحمد عطاف، لما يُسمى بـ"وزير خارجية الجمهورية الصحراوية"، فليس
سوى جزء من مسرحية دبلوماسية مكرورة لا تجد لها أي صدى دولي. فالكيان المزعوم، الذي
لا تعترف به الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي، يعاني من عزلة مطبقة، رغم كل محاولات
النفخ فيه عبر استقبالات بروتوكولية لا تُغير شيئاً من واقعه الوهمي.
الجزائر، عبر دعمها
المفتوح للبوليساريو، تواصل تغذية نزاع إقليمي بغرض إضعاف المغرب إقليمياً، متجاهلة
دعوات المجتمع الدولي إلى الحل السياسي الواقعي والمستدام. لقد تحوّلت مخيمات تندوف
إلى بؤر مغلقة تُدار خارج القانون الجزائري نفسه، وتُحرم فيها المفوضية السامية لشؤون
اللاجئين من حق الإحصاء، وهو ما يثير الشكوك حول النوايا الحقيقية لهذا المشروع الانفصالي.
وبينما تمضي الجزائر
في ضخ أموالها ودبلوماسيتها في مشروع متآكل، يُراكم المغرب إنجازات ميدانية في أقاليمه
الجنوبية: بنية تحتية متقدمة، مشاريع للطاقة المتجددة، استثمارات إفريقية، واعترافات
دولية بفتح أكثر من ثلاثين قنصلية في العيون والداخلة، تؤكد أن القضية حُسمت على الأرض
قبل أن تُحسم في الخطابات.
إن الوقت قد حان لطيّ
صفحة الأساطير السياسية والعودة إلى منطق الواقعية: الصحراء مغربية بالشرعية التاريخية
والقانونية، والجزائر مطالبة بالكف عن تسويق أوهام تعيق مستقبل شعوب المنطقة في التكامل
والتعاون، بدل الاستنزاف والمواجهة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق