الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، يوليو 11، 2025

المغرب والصحراء: تثبيت السيادة عبر الاقتصاد والدبلوماسية الهادئة: عبده حقي


لم تعد الصحراء المغربية اليوم مجرد قضية سياسية أو نزاع إقليمي كما يحاول البعض توصيفها، بل تحولت إلى فضاء ديناميكي يشهد تطورًا تنمويًا واقتصاديًا كبيرًا يُترجم بشكل مباشر سيادة المغرب الفعلية على أراضيه الجنوبية. هذا الواقع الملموس، المدعوم بمشاريع استثمارية استراتيجية وبمواقف دبلوماسية حازمة، لا يزعج خصوم الوحدة الترابية فحسب، بل يكشف حجم التناقض في سردياتهم التي أصبحت معزولة على الصعيد الدولي.

من أبرز مظاهر هذا التحول النوعي، الإعلان عن مشروع ضخم لمزرعة رياح في جهة الصحراء، ستُنجزه شركة إماراتية رائدة بشراكة مع شركة مغربية. هذا المشروع الطاقي لا يعزز فقط مكانة المغرب كمركز للطاقة المتجددة في إفريقيا، بل يُعد تأكيدًا صريحًا على أن الفاعلين الاقتصاديين الدوليين يرون في الصحراء أرضًا مغربية مستقرة وآمنة، وجزءًا من مجال استثماري موثوق وذي سيادة واضحة. فمن يقبل الاستثمار في منطقة “متنازع عليها” كما يدّعي البعض؟ بل من يضخ ملايين الدولارات في منطقة لا يثق في مستقبلها السياسي؟ الواقع وحده يجيب.

وفيما تتوسع المشاريع الاقتصادية وتُفتتح قنصليات الدول الشقيقة والصديقة في مدينتي العيون والداخلة، تزداد خيبة الأطراف المعادية، التي لم تجد في مالابو، عاصمة غينيا الاستوائية، سوى محاولة يائسة لإثارة الفوضى عبر تلفيقات إعلامية تتحدث عن “سرقة علم”. حادثة مفتعلة، تفتقر للسند القانوني والسياسي، استغلتها وكالة أنباء إسبانية لتصوير المغرب على أنه مصدر "فوضى"، في الوقت الذي كان فيه المغرب يشارك في قمة الاتحاد الإفريقي كمكوّن شرعي وفاعل مركزي في بناء مستقبل القارة. فهل أصبح الدفاع عن سيادة المغرب على أراضيه عملاً استفزازيًا في أعين البعض؟ أم أن نجاح المغرب في فرض سياسة الأمر الواقع الديمقراطي والتنمية الهادفة هو ما يثير حساسية خصومه؟

أما الشركات الأوروبية، ورغم محاولات الإحراج الإعلامي، فقد بدأت تعترف بصيغ مختلفة بعملها في الصحراء المغربية، كما فعلت مؤخرًا شركة Olvea الفرنسية المتخصصة في زيت السمك. هذا الإقرار الصريح لا يحمل فقط بُعدًا تجاريًا، بل يؤكد على أمر جوهري: أن هذه الشركات لا ترى في الصحراء منطقة "محتلة" كما يُروّج لذلك بعض الناشطين، بل فضاء اقتصاديًا مشروعًا يخضع لقوانين المملكة المغربية ويستفيد منه السكان المحليون، الذين هم أولى بالثروات من منظمات وأجندات تستثمر في الأوهام الانفصالية.

ما يغيب عن كثير من التغطيات الغربية، المدفوعة أحيانًا بخلفيات سياسية قديمة، هو أن المغرب لم يعد يكتفي بالدفاع عن وحدته الترابية بخطاب تاريخي أو قانوني فقط، بل يعتمد في السنوات الأخيرة استراتيجية تنموية تترجم السيادة إلى حقائق ملموسة: بنى تحتية، موانئ، مشاريع طاقية، توظيف، وخدمات اجتماعية، جعلت من مدن الصحراء نموذجًا للتنمية الجهوية في إفريقيا.

كما أن العلاقات الثنائية بين المغرب ودول عربية كالإمارات، ودول إفريقية كرواندا والسنغال والكوت ديفوار، لم تعد تُبنى على عبارات مجاملة، بل على استثمارات ومواقف صريحة داعمة للوحدة الترابية، تُترجمها القنصليات وبيانات التعاون المشترك.

في مقابل هذا المشهد المتقدم، تواصل الأطراف الانفصالية ومن يدعمها محاولات التشويش، عبر بيانات منظمات حقوقية أو تقارير مسيّسة تتحدث عن "الاحتلال" و"نهب الثروات"، دون أن تقدم أي بديل تنموي أو حل واقعي سوى خطاب الجمود السياسي. أما المغرب، فقد اختار أن يتحدث بلغة الأفعال: مشاريع على الأرض، دعم للسكان، دبلوماسية نشطة، وانفتاح اقتصادي لا يُقصي أحدًا.

إن ما يحدث في الصحراء المغربية ليس مجرد رد على الدعاية المعادية، بل هو مشروع دولة، يؤسس لمرحلة جديدة من التمكين الجهوي والاعتراف الدولي بالسيادة الكاملة. ولم تعد السيادة تبرر بالخرائط أو القرارات الأممية فقط، بل تُكسب بالتنمية المستدامة، بالشراكات الإقليمية، وباستقرار يشهد له الأعداء قبل الأصدقاء.

من هنا، لا بد أن نفهم أن المغرب لا "يفرض" سيادته، بل يمارسها. وأن الصحراء لم تعد موضع نزاع في المنطق الواقعي، بل موضع تأكيد سيادي عبر اقتصاد أخضر، واستثمارات دولية، واعترافات ضمنية أو صريحة من شركاء لا يعترفون إلا بما هو مستقر ومقنع وقانوني.

0 التعليقات: