في ركن منبوذ من مسرح السياسة الموازية، حيث تنعدم الجدية وتنتحر العقلانية، يخرج علينا بين الفينة والأخرى رجل مريض ، ينتعل أوهامه ويعتمر جنون العظمة، ليزف للعالم "الخبر العاجل": أعلن نفسي رئيساً لجمهورية الريف!
هكذا ببساطة، دون صناديق اقتراع، ولا تفويض شعبي، ولا حتى خيمة من نسيج التاريخ، ينصّب فلان نفسه على كرسي رئاسي من خواء. لا دستور، لا مؤسسات، لا وزراء، ولا حتى شعب يعرف أنه جزء من جمهوريته… فقط "فلان" وتخيلاته، وكاميرا هاتف بائس تبثّ بضع كلمات مبحوحة من شرفته في المهجر، على نفقة كرم نفط جزائري لا ينضب متى تعلّق الأمر بالإساءة إلى المغرب.
هو ليس إلا واجهة هزيلة
لمخططات أوسع: تحالف هشّ بين أحقاد تاريخية وآبار نفط متعفنة تبحث عن أية شعلة فتنة
لتوقد بها نارها في بيت الجار المغربي . فكيف لرجل يدّعي الدفاع عن الريف أن يتحوّل
إلى بوق لنظام الجزائري لا يعترف لا بالحقوق ولا بالحريات، لا بالأمازيغية التي يتغنّى
بها ولا بحرية الصحافة التي جاهد الريفيون من أجلها؟ أليس عاراً أن يناضل المرء بشعار
"الانفصال" ويمدّ يده لسلطة تسجن شعبها لأنهم طالبوا فقط بالتغيير؟
ويا لغرابة الأقدار!
الريف الذي أنجب الزعيم عبد الكريم الخطابي، رمز المقاومة والكرامة الوطنية، يُراد
له أن يُختصر في مهرّج سياسي يتجرع مرارة المنفى الانهزامي، يردد نصوصاً كتبتها له
كابرانات ومخابرات جزائرية مهووسة بوهم "الجمهوريات الصديقة"، تلك التي تُفصّل
في قاعات مظلمة حيث تُطبخ الفتن على نار المصالح الباردة.
الرئيس فلان، أو
"مبعوث اللاوعي الوطني"، لم ينتخبْه أحد، ولم يُفوّضه الريفيون ليتحدث باسمهم،
بل إن معظمهم لم يسمعوا به إلا عندما صار اسمه يتردّد في تقارير أمنية جزائرية أو بيانات
منظمات مشبوهة. إن ادّعاء رئاسة جمهورية غير موجودة، هو نوع من "الميتافيزيقا
الانفصالية"، حيث تختلط الأمراض النفسية بالرغبة في الظهور، وتصبح خرافة
"الوطن البديل" وسيلة للشهرة والتمويل والدعاية.
الأكثر إثارة للضحك
والأسى، أن هذا "الرئيس البلسيكوبات" لا يمتلك حتى مقرّاً افتراضياً، ولا
حكومة "زووم"، ولا دستوراً مصمماً في برنامج "وورد"، لكنه يتلقى
تمويلًا حقيقياً من نظام يرفض حتى كتابة الأمازيغية في بطاقاته الوطنية! أليس هذا هو
النفاق بعينه؟
ما يحاول فلان فعله
يشبه تماماً مشهد رجل يصرخ في الصحراء: "أنا ملك الجليد!" ثم ينتظر التصفيق.
لكن بدل التصفيق، تأتيه تمائم من بعض المتقاعدين العقائديين في الضفة الشرقية، ممن
لم يهضموا إلى اليوم حقيقة أن المغرب مملكة موحّدة، وأن الريف جزء من جسد الأمة المغربية
لا يُباع ولا يشترى ولا يُفرّط فيه، ولا تحكمه "جمهوريات الحقد"
التي ماتزال تغط في مزبلة تاريخ الحرب الباردة.
وفي النهاية، ما يُثير
الشفقة أكثر من الغضب، هو أن فلان رئيس نفسه لم يفهم بعد أن زمن الاستعمار انتهى، وأن
لعبة "فرق تسد" لم تعد تنطلي على الشعب المغربي قاطبة لا في الريف ولا في
السوس ولا في الصحراء. إن المغرب، بتاريخ أقاليمه وقوة لحمته، ليس لقمة سائغة لمعارضة
من ورق ولا لوكلاء بالنيابة عن الطامعين.
فلتبقَ جمهوريتك يا
فلان في رأسك، فلن تجد لها أرضاً تقيم عليها علماً ولا وطناً. الريف ليس للبيع، والمغرب
ليس للتجزيء في مزاد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق