الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، يوليو 17، 2025

مبادرات سيادية مغربية تكشف زيف الدعم المزعوم: عبده حقي


تتوالى المؤشرات على تراجع الخطاب الدعائي لجبهة البوليساريو وحلفائها، وتَكشُّف عزلة كيان "الجمهورية الصحراوية" الوهمي. فبينما تروّج بعض المنصات التابعة للبوليساريو لأخبار "استقبال الأطفال الصحراويين" في البرلمانين الإسباني والإيطالي، جاء الحدث الحقيقي والدال من الرباط، حيث استقبل وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الرئيس الجنوب أفريقي السابق وزعيم حزب MK جاكوب زوما، الذي أعلن عن دعم حزبه الصريح لمغربية الصحراء، في خطوة هزّت أحد المعاقل التقليدية للدعم التاريخي للجبهة الانفصالية.

هذا اللقاء لم يكن مجرد مناسبة دبلوماسية عابرة، بل إعلان سياسي صريح يعكس تغيّر المزاج السياسي في إفريقيا جنوب الصحراء. فحزب "أومكونتو وسيزوي" (MK)، المرتبط رمزياً وتاريخياً بالكفاح ضد الفصل العنصري، يختار اليوم الوقوف إلى جانب وحدة التراب المغربي، في اعتراف صريح بأن قضية الصحراء لا تتعلق بتصفية استعمار، بل بتصفية وهمٍ دام لعقود. اللقاء يكرّس قطيعة بين المغرب وجنوب إفريقيا الرسمية، لكنه يفتح الباب لمقاربات جديدة أكثر عقلانية وعدالة داخل المجتمع السياسي الجنوب إفريقي.

في المقابل، لم تتجاوز التحركات الدعائية للبوليساريو أكثر من إرسال مجموعات من الأطفال الصحراويين إلى برلمانات أوروبية في إطار برامج الصيف، وهي مبادرات إنسانية في ظاهرها، لكنها تُستغل سياسياً للإيحاء بوجود "دولة صحراوية" تستقبلها مؤسسات سيادية أجنبية. إلا أن هذه الأنشطة، رغم طابعها الرمزي، لا تترجم أي موقف سياسي أو قانوني جديد من الحكومات الأوروبية تجاه النزاع. فهي لا تتعدى كونها تحركات مدنية تنظمها جمعيات محلية، غالباً ما تُدار من قبل منظمات مؤيدة للجبهة، دون أن يكون لها أي سند دبلوماسي أو اعتراف رسمي.

والأهم أن هذه البرامج تطرح تساؤلات أخلاقية حول توظيف الطفولة كأداة في صراع سياسي عمره نصف قرن. فبدلاً من الاستثمار في تعليم الأطفال الصحراويين وتحسين ظروفهم المعيشية في مخيمات العار بتندوف، تختار القيادة الانفصالية إرسالهم إلى الخارج لتلميع خطابها المهترئ، في حين يبقى مصيرهم مجهولاً بعد العودة، وسط ظروف اجتماعية واقتصادية خانقة.

من جهة أخرى، لا تزال الجبهة تحاول استثمار المنابر الدولية لتكرار خطاب المظلومية، حيث خرج ما يُسمى بـ"ممثل البوليساريو لدى الأمم المتحدة" بتصريحات معتادة حول "صمود الشعب الصحراوي" و"الانتهاكات المغربية"، دون تقديم أي أدلة موثقة أو تقارير مستقلة تدعم هذه المزاعم. في المقابل، فإن المغرب لا يكتفي بالرد الدبلوماسي، بل يعزز شرعيته عبر مشاريع تنموية ضخمة في الأقاليم الجنوبية، مثل الموانئ والطرق السريعة ومناطق الطاقة المتجددة، وآخرها مشاريع الذكاء الاصطناعي والطاقة الريحية في العيون والداخلة، التي بدأت تجذب اهتماماً إفريقياً وعالمياً.

التحولات الجارية تؤكد أن مسار القضية لم يعد رهين الشعارات الثورية زمن الحرب الباردة البالية، بل رهين الوقائع على الأرض. فالمغرب، بثبات دبلوماسي ومقاربة تنموية شاملة، لم يعد يراهن فقط على الدفاع، بل أصبح يصنع زمام المبادرة. أما البوليساريو، التي ما تزال تراهن على سرديات الحرب الباردة واللعب على وتر الضحية، فهي اليوم تزداد عزلة، حتى داخل معاقلها التقليدية.

إن الاعتراف المتزايد بمغربية الصحراء، سواء من خلال مواقف علنية لحكومات كبرى أو لقيادات تاريخية في إفريقيا، يشكل تصدعاً حقيقياً في جدار الكذب الذي بنت عليه الجبهة مشروعها الانفصالي. وبينما يتغير العالم من حولهم، لا تزال قيادة البوليساريو أسيرة خطاب جامد، غير قادرة على مواكبة الواقع، أو تقديم مشروع سياسي حقيقي لسكان المخيمات الذين يُستخدمون كورقة ضغط إنسانية في معركة فقدت صدقيتها.

لقد آن الأوان لإغلاق قوس الوهم، والاعتراف بأن الصحراء كانت ولا تزال أرضاً مغربية، وأن التنمية والتكامل الإقليمي هما السبيل الوحيد لتحقيق العدالة، لا مشاريع الانفصال التي تقود فقط إلى المجهول.

0 التعليقات: