الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، أغسطس 21، 2025

الذكاء الاصطناعي وفك شيفرة النشاط الدماغي: عبده حقي


تشير دراسة حديثة في مجال علوم الأعصاب والذكاء الاصطناعي إلى إمكانية استخدام الخوارزميات الحاسوبية لفك شيفرة الأفكار البشرية بدقة تصل إلى 74%. ويعتمد هذا الإنجاز على تقنيات متقدمة في تحليل أنماط النشاط الدماغي، خصوصًا تلك التي تُلتقط عبر تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) أو أجهزة الاستشعار العصبي عالية الدقة. وبذلك، لم يعد الحديث عن قراءة الأفكار محض خيال علمي، بل أصبح مجالًا معرفيًا يتبلور في تقاطعات علوم الحوسبة العصبية، والذكاء الاصطناعي، والبيولوجيا العصبية.

تستند الفرضية العلمية لهذا النوع من الأبحاث إلى أن أنماط النشاط العصبي تحمل دلالات يمكن ترجمتها إلى رموز أو صور أو حتى عبارات لغوية. وقد أظهرت التجارب الأولية، التي أجريت على متطوعين خضعوا لمسح دماغي أثناء التفكير في صور أو جمل محددة، أن الخوارزميات القائمة على الشبكات العصبية الاصطناعية قادرة على إعادة بناء هذه المدخلات الذهنية بدرجة عالية من الدقة. النسبة المسجلة في الدراسة (74%) لا تعني اكتمال القدرة على "قراءة الأفكار"، لكنها تمثل مؤشرًا قويًا على أن الدماغ يمكن أن يُترجم حوسبيًا إلى أنماط قابلة للتفسير.

هذا التطور العلمي يفتح آفاقًا تطبيقية متعددة، أبرزها في المجال الطبي، حيث يمكن تطوير أدوات لمساعدة المرضى الذين فقدوا القدرة على الكلام أو الحركة على التواصل مع محيطهم عبر واجهات دماغية–حاسوبية (Brain-Computer Interfaces). كما يمكن أن يشكل ذلك أساسًا لابتكار أنماط جديدة من التفاعل بين الإنسان والآلة، تتجاوز الوسائط التقليدية كالصوت والكتابة.

غير أن هذه النتائج العلمية تثير في المقابل إشكاليات أخلاقية وفلسفية معقدة. إذ يطرح الباحثون أسئلة حول الخصوصية الذهنية: إلى أي مدى يمكن اعتبار الأفكار ملكية فردية لا يجوز للآخرين اختراقها؟ وما الضوابط القانونية والأخلاقية اللازمة لضمان أن هذه التكنولوجيا لن تُستخدم في مجالات المراقبة أو الاستجواب القسري؟ في هذا السياق، تشير دراسات مثل أعمال نيك بوستروم (Nick Bostrom) حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي إلى ضرورة وضع أطر تنظيمية صارمة قبل تعميم مثل هذه التطبيقات.

تتجلى أهمية هذه الدراسة في كونها تمثل انتقالًا من مستوى الفرضيات النظرية إلى نتائج تجريبية قابلة للقياس، ما يعزز مكانة الذكاء الاصطناعي كأداة بحثية في علم الأعصاب. ومع ذلك، فإن نسبة النجاح الحالية، رغم أهميتها، تظل بعيدة عن الكمال، ما يستدعي المزيد من التجارب على عينات بشرية متنوعة وفي سياقات معرفية مختلفة.

إن التحدي المطروح أمام الباحثين لا يقتصر على تحسين الدقة التقنية، بل يمتد ليشمل صياغة رؤية شاملة تربط بين التقدم العلمي وحماية الكرامة الإنسانية. فالمستقبل الذي تَعِد به هذه التكنولوجيا، بين الأمل العلاجي والمخاطر الأخلاقية، يفرض مقاربة متوازنة تدمج بين الطموح العلمي والتحصين القانوني والأخلاقي.

0 التعليقات: