في كل مرة تخرج فيها شخصية دولية لتقول الحقيقة كما هي، يُسارع النظام الجزائري إلى شنّ حملاته الإعلامية المسعورة. هذه المرة، الضحية كانت النائبة الأوروبية «ريما حسن»، التي لم ترتكب "جرماً" سوى أنها فرّقت بين «القضية الفلسطينية العادلة» وبين «نزاع الصحراء المغربية». الجزائر التي تتغذى منذ عقود على وهم "القضية الصحراوية"، وجدت نفسها أمام خطاب عقلاني ينسف بروباغندا الجنرالات، فكان الرد جاهزًا: تخوين، تشويه، واتهامات رخيصة بالانتهازية.
قبل أسابيع فقط، كانت
الصحافة الجزائرية تمطر ريما حسن بالمديح وترميها بالورود . كانت "بطلة"
في نظرهم لأنها تُزعج اليمين الفرنسي وتُواجه خطاب الكراهية. لكن ما إن كتبت تغريدة
عن مبادرة "صحّحوا الخريطة" وشرحت بتوازن رصين حقيقة التعقيد في ملف الصحراء،
حتى انقلبت المعادلة. الجزائر الرسمية وأبواقها الإعلامية حولوا النائبة ريما حسن من
"صديقة الثورة" إلى "خائنة"، فقط لأنها تجرأت على القول إن «فلسطين
ليست الصحراء».
الجواب بسيط: لأن النظام
الجزائري لا يعيش إلا على «صناعة العدو». المغرب بالنسبة له هو "الشيطان الأكبر"،
وهو الشماعة التي يُعلق عليها فشله الاقتصادي، وانهيار عملته، واحتقان شعبه. لذلك،
أي صوت يجرؤ على طرح فكرة أن النزاع يمكن أن يُحل عبر «التفاوض والتسوية»، يُعتبر تهديدًا
مباشرًا لبنية النظام القائمة على العداء الأبدي للمغرب.
ريما حسن لم تقل إن
المغرب "على حق مطلق"، ولم تدّعِ أن الجزائر "على باطل مطلق".
كل ما فعلته أنها ذكّرت بأن:
* «فلسطين قضية استعمارية وجودية»، حيث يُقتلع
شعب بأكمله من أرضه و تتم إبادته بدم بارد.
* أما «الصحراء المغربية»، فهي نزاع إقليمي
قديم، له جذور تاريخية وروابط بيعة بين القبائل والعرش المغربي، ولم يعرف مجازر ولا
حصار ولا استعمار استيطاني على الطريقة الإسرائيلية.
هذه المقارنة وحدها
كانت كافية لنسف سردية الجنرالات الذين يساوون بين الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وبين
استرجاع المغرب لصحرائه.
ما إن نشرت ريما حسن
رأيها حتى تحركت "الجيوش الإلكترونية" الجزائرية، ومعها الأبواق الإعلامية
الممولة من أموال الغاز، لشنّ حملة شعواء ضدها. نفس الأسلوب المعتاد: السب، الشتم،
التخوين، واتهام أي مخالف بالعمالة للمغرب أو لإسرائيل. وكأن الجزائر تملك "حقًا
حصريًا" في تعريف النضال وتوزيع صكوك الوطنية!
الجزائر، وهي تهاجم
النائبة ريما حسن، تكشف مرة أخرى أنها لا تبحث عن «حل للنزاع»، بل عن استدامته. فبقاء
ملف الصحراء عالقًا هو ما يبرر قمع الداخل الجزائري وصرف الأنظار عن الأزمات الخانقة.
أما دعوات الحوار، فهي خط أحمر بالنسبة لنظام يخشى أن يفقد آخر ورقة يستقوي بها على
شعبه.
إن ريما حسن لم تخُن
أحدًا. من خان هو النظام الجزائري، الذي خان «المغرب الكبير» بتفكيكه، وخان «الشعب
الجزائري» بتضليله، وخان حتى «فلسطين» عندما حاول المتاجرة بقضيتها لتغطية فشله. الحقيقة
واضحة: «الصحراء مغربية، وفلسطين قضية احتلال دموي، والمقارنة بينهما جريمة فكرية وسياسية».
كل ما فعلته ريما حسن هو أنها قالت ما يخشاه الجنرالات: «العداء للمغرب ليس قدرًا،
بل صناعة عسكرية لإدامة الحكم.»
0 التعليقات:
إرسال تعليق