منذ اندلاع النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، ظلّت الدعاية الموجّهة من الجزائر والبوليساريو تراهن على تقارير جزئية أو خطابات مبتورة لتشويه صورة المغرب أمام المنتظم الدولي. غير أن مراجعة دقيقة للمعطيات تكشف عن تناقضات داخل الخطاب ذاته، وعن محدودية الأطروحة الانفصالية في مواجهة التحولات العميقة التي تشهدها المنطقة.
في 24 غشت 2025، نشرت وكالة تابعة للبوليساريو ما سمّته إدانة أممية للقيود المغربية على الحريات، مستندة إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمام الجمعية العامة. غير أن القراءة المتأنية لمضامين هذا التقرير تظهر أن الأمم المتحدة لا تُدين المغرب كدولة منتهكة، بقدر ما تكرّر دعوة أطراف النزاع إلى إيجاد حلّ سياسي توافقي وواقعي. وهو ما ينسجم تماماً مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي وُصفت في قرارات مجلس الأمن بأنها جادة وذات مصداقية.
على النقيض، نشرت الوكالة
نفسها مقالاً بعنوان الصحراء الغربية: لحظة الحقيقة، أقرّت فيه بأن جبهة البوليساريو
لم تعد سوى رهينة لصراع إقليمي مفتعل بين الجزائر والمغرب. هذا الاعتراف الضمني يكشف
بجلاء أن المشروع الانفصالي فقد شرعيته الذاتية، ولم يعد يمثل سوى أداة في يد النظام
الجزائري، الذي يوظف النزاع لإطالة عمره السياسي وإخفاء أزماته الداخلية البنيوية.
في المقابل، يؤكد المسار
المغربي على الأرض حقيقة مختلفة: الأقاليم الجنوبية تشهد طفرة تنموية غير مسبوقة تشمل
البنية التحتية (الموانئ، الطرق السريعة، الطاقات المتجددة)، والاستثمار الاجتماعي
(الجامعات، المستشفيات، مراكز البحث)، فضلاً عن إشعاعها الدبلوماسي كجسر يربط المغرب
بعمقه الإفريقي. هذه التحولات تُترجم ميدانيّاً مفهوم تقرير المصير الحقيقي، حيث يشارك
سكان الصحراء في الانتخابات الوطنية والجهوية، ويختارون ممثليهم في المؤسسات التشريعية
والتنفيذية.
من منظور أكاديمي،
يتضح أن الخطاب الدعائي الموجَّه ضد المغرب يقوم على ثلاث آليات:
الانتقائية في قراءة
الوثائق الأممية، عبر التركيز على جمل ثانوية وإغفال التوصيات الجوهرية الداعية إلى
الحل السياسي الواقعي.
التناقض الداخلي، إذ
تعترف نفس المصادر بانسداد أفق مشروع البوليساريو، ما يعني انهيار مبررات استمرار النزاع.
التعتيم على الواقع
التنموي، حيث يتم تجاهل المكاسب الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها سكان الأقاليم
الجنوبية داخل المغرب، مقابل استمرار تهميش الصحراويين في مخيمات تندوف.
إن لحظة الحقيقة التي
يتحدث عنها الخطاب الدعائي لا يمكن أن تُقرأ إلا في ضوء هذا التناقض: المغرب يرسّخ
وحدة ترابية مستندة إلى الشرعية التاريخية والدعم الدولي المتنامي، فيما تبقى البوليساريو
أسيرة بنية دعائية فقدت صلتها بالواقع. وبالتالي، فإن المبادرة المغربية للحكم الذاتي
ليست فقط مخرجاً سياسياً، بل مشروعاً مجتمعياً يؤسس لمصالحة تاريخية بين الماضي الاستعماري
والمستقبل التنموي للمنطقة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق