الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، أغسطس 19، 2025

لماذا يمثل مقترح الحكم الذاتي الخيار الواقعي الوحيد لاستقرار شمال أفريقيا؟ عبده حقي


منذ انسحاب إسبانيا من الصحراء سنة 1975، لم تتوقف محاولات بعض الأطراف الإقليمية عن استثمار هذا الفراغ الجيوسياسي لتحقيق مكاسب خارج حدودها. وإذا كانت الجزائر ترفع شعار “حق الصحراويين في تقرير المصير”، فإن هذا الموقف لم يُبنَ قط على منطلق قانوني خالص، بل على رؤية استراتيجية تعتبر أن امتداد النفوذ المغربي جنوبًا يُضعف الدور الجزائري كقوة إقليمية في المنطقة. إنه يصعب تجاهل أن الجزائر – منذ تأسيس جبهة البوليساريو على أراضيها – عملت باستمرار على تدويل النزاع، وجرّ منطقة الساحل والصحراء إلى صراع مفتوح لا يخدم سوى منطق التوتر والتجزئة.

إن البيانات الأخيرة الصادرة عن مجموعة دول الجنوب الأفريقي (سادك)، والتي تعلن “تضامنها مع الشعب الصحراوي”، ليست سوى إعادة تدوير لمواقف قديمة تعكس توازنات داخل المنظمة مرتبطة بتأثيرات جنوب أفريقيا أكثر مما تعكس قراءة للوقائع الميدانية. فالمغرب، منذ سنة 2007، التزم أمام الأمم المتحدة بمقترح الحكم الذاتي كخيار عملي يضمن الحقوق الثقافية والسياسية لسكان الصحراء ضمن إطار سيادة المملكة. ومع مرور الوقت، تحوّل هذا المقترح إلى مرجع واقعي ومعترف به من قبل القوى الكبرى (الولايات المتحدة، إسبانيا، ألمانيا…) باعتباره الحل الأكثر جدّية ومصداقية.

يتّضح أيضًا أن بعض المنظمات الموالية للبوليساريو، مثل “كوديسا”، تُركز خطابها على اتهامات “الانتهاكات” لتشتيت الانتباه عن الانتهاكات التي تقع داخل مخيمات تندوف نفسها، حيث لا توجد أية مراقبة دولية حقيقية، ولا حرية في التعبير أو التنقل، الأمر الذي وثّقته تقارير دولية كـهيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية . الإصرار على تصوير المغرب كـ“قوة احتلال” يتجاهل أن الصحراء هي جزء لا يتجزأ من المجال السياسي المغربي منذ قرون، وأن البيعة التاريخية التي كانت تربط القبائل الصحراوية بالسلاطين المغاربة تشهد على هذا الارتباط قبل ظهور مفاهيم الدولة الحديثة.

من جهة أخرى، زيارة الوفود الدبلوماسية إلى العيون استعدادًا لمداولات مجلس الأمن تُظهر أن المجتمع الدولي لم يعُد يعالج الموضوع كـ"قضية استعمار"، وإنما باعتباره ملفًا مرتبطًا بموازين الأمن والاستقرار في إفريقيا. وجود البعثة الأممية (مينورسو) يهدف إلى مرافقة العملية السياسية وليس التحضير لأي استفتاء كلاسيكي ومتجاوز، خاصة بعد فشل جميع المحاولات السابقة في تحديد لوائح الناخبين نتيجة الخلاف حول هوية “الصحراوي.

 

إن القبول بمقترح الحكم الذاتي من داخل السيادة المغربية لا يعني فقط إنهاء نزاع إقليمي دام عقودًا، وإنما فتح المجال أمام التنمية المشتركة بين المغرب وموريتانيا والجزائر، وتحصين المجال المغاربي من تهديد الجماعات المسلحة التي تتغذّى على الفراغات السيادية. فأي تأخير في تسوية النزاع – من خلال صيغة توافقية وواقعية – لا يخدم إلا هذا النوع من التنظيمات، ويُعيد إنتاج الانقسامات التي تُعيق وحدة الشعوب المغاربية.

الواقع اليوم يؤكد أن خيار الحكم الذاتي هو الحل العملي الوحيد الذي ينسجم مع القانون الدولي (ضمن المادة 5 من الميثاق الأممي المتعلقة بالحكم الذاتي داخل إطار الدول السيادية)، ويُجيب على تطلعات الساكنة المحلية التي تُشارك في الانتخابات، وتُرسل ممثليها إلى البرلمان المغربي، وتستفيد من المشاريع التنموية في العيون والداخلة. أما الخطاب الجزائري الذي يستحضر مصطلحات الستينيات (التحرر، النضال، الاستعمار) فإنه يظل حبيس تصور أيديولوجي لا يواكب طبيعة التحولات الجيوسياسية في المنطقة.

ببساطة، دعم وحدة المغرب لا يتعلق فقط بالدفاع عن مبدأ تاريخي، بل بضرورة استراتيجية تتجاوز حدود المغرب نحو مجموع شمال أفريقيا. كل تأخير في اعتماد المقترح المغربي هو تأجيل لمشروع مغاربي عصري وقادر على مواجهة التحديات الأمنية والتنموية القادمة.

0 التعليقات: