الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، أغسطس 15، 2025

الصحراء المغربية.. من أوهام الاستفتاء إلى واقع الحكم الذاتي والتنمية: عبده حقي


في الوقت الذي لا تزال بعض الأصوات النشاز، مثل تصريحات جون بولتون الأخيرة، تتمسك بخطاب قديم تجاوزه الزمن عن "استفتاء تقرير المصير" في الصحراء المغربية، يواصل المغرب على الأرض بناء نموذج تنموي غير مسبوق في أقاليمه الجنوبية، جعلها واحدة من أكثر المناطق استقرارًا وازدهارًا في شمال إفريقيا.

منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991، أثبتت التجربة أن خيار الاستفتاء الذي كان مطروحًا آنذاك لم يعد عمليًا، لأن الأمم المتحدة نفسها، عبر قرارات مجلس الأمن المتتالية، انتقلت منذ 2007 إلى دعم حل سياسي واقعي وتوافقي، وهو ما تجسد في مبادرة الحكم الذاتي التي قدّمها المغرب وحظيت بتأييد واسع من قوى دولية كبرى، بينها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا.

إن دعوات بولتون اليوم لإحياء خيار الاستفتاء تتجاهل التحولات الجذرية التي عرفها الملف، وتغفل أن الواقع على الأرض تغيّر بالكامل: الأقاليم الجنوبية جزء لا يتجزأ من التراب المغربي، تتمتع ببرامج استثمارية ضخمة في البنية التحتية، والتعليم، والصحة، والطاقة المتجددة، ومشاريع الموانئ الكبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي الذي سيجعل المنطقة منصة استراتيجية للتجارة الإفريقية-الأوروبية.

كما أن ما يصفه بولتون بـ"رفض المغرب" ليس سوى انسجام مع المسار الأممي الحالي الذي يدعو إلى مفاوضات مباشرة بين الأطراف، بعيدًا عن شروط مسبقة أو حلول متجاوزة. فالمغرب لم يكتف بالدفاع عن سيادته التاريخية، بل قدّم حلاً وسطًا يضمن لسكان الصحراء تدبير شؤونهم المحلية ديمقراطيًا تحت السيادة المغربية، في إطار احترام التعددية الثقافية والحفاظ على الأمن والاستقرار.

أما عن حديثه عن "المخيمات"، فإن الحقيقة المرة التي يتجاهلها الخطاب الداعم للبوليساريو هي أن آلاف المغاربة المحتجزين في تندوف يعيشون أوضاعًا إنسانية صعبة تحت سيطرة ميليشيات بوليساريو المسلحة، في غياب تام لآلية أممية لتسجيلهم أو ضمان حقوقهم الأساسية. هذه المأساة الإنسانية لا تنتهي بدعوات استفتاء وهمية، بل عبر فتح باب العودة والاندماج في وطنهم الأم، حيث فرص العيش الكريم والتنمية المستدامة.

إن ربط بولتون بين قضية الصحراء وأمن الساحل صحيح من حيث المبدأ، لكنه يغفل أن المغرب اليوم هو الفاعل الأكثر موثوقية في محاربة الإرهاب والتطرف، وأن استقراره في أقاليمه الجنوبية يشكل حزام أمان حقيقي ضد تمدد الفوضى القادمة من الجنوب. فالدول الأوروبية التي يدعوها بولتون إلى "الانتباه" تعرف جيدًا أن أي زعزعة في الصحراء لن تصب إلا في مصلحة التنظيمات المسلحة وشبكات الجريمة العابرة للحدود.

أما الإشادة التي يوجهها بولتون للبوليساريو فهي تعاكس الواقع، إذ أن هذه الجبهة فقدت الكثير من الدعم الإفريقي والدولي، وباتت محصورة في خطاب أيديولوجي قديم، في وقت تفتح فيه عواصم إفريقية عديدة قنصلياتها في العيون والداخلة اعترافًا صريحًا بمغربية الصحراء.

الخلاصة أن ما يحاول بولتون إحياؤه اليوم هو وصفة فشلت منذ ثلاثة عقود، في حين أن مبادرة الحكم الذاتي المغربي أثبتت أنها الإطار الواقعي القادر على إنهاء النزاع، وتحويل المنطقة من بؤرة توتر إلى فضاء تعاون وتنمية، بما يخدم الاستقرار الإقليمي والأمن الأوروبي-الإفريقي على حد سواء.


0 التعليقات: