شكّل رحيل الملك الحسن الثاني يوم 23 يوليو 1999 وتولي ولي العهد محمد السادس العرش محطةً فارقة في التاريخ السياسي المعاصر للمغرب. لم يكن الأمر مجرد تناوبٍ في القمة، بل بداية مسار لإعادة تعريف العقد السياسي والاجتماعي على قاعدة المصالحة مع الماضي وإطلاق أوراش تنموية كبرى غيّرت خريطة الدولة والمجتمع خلال سنوات قليلة.
امتد حكم الحسن الثاني لقرابة أربعة عقود، تميز خلالها المغرب بفترات توتر وانفراج متعاقبة. ومع وفاته في يوليو 1999 ودخول محمد السادس مرحلة الحكم، عرفت البلاد زخماً سياسياً وإعلامياً كبيراً داخلياً وخارجياً، إذ رُبط الحدث بتطلعات وبانتظارات تغييرية واسعة.
أولى خطوات العهد الجديد
تمثلت في إطلاق مشروع المصالحة مع الماضي، من خلال إحداث هيئة خاصة بالإنصاف والمصالحة.
كانت تلك التجربة فريدة في المنطقة العربية، إذ فتحت المجال أمام كشف الانتهاكات السابقة
في عهد النظام السابق وتعويض الضحايا وجبر الضرر الجماعي. وقد ساعد ذلك على تهدئة التوترات
التاريخية وفتح نقاش عمومي حول قضايا الحقوق ودور المؤسسات الأمنية والقضائية والإعلامية.
في 2004، شهد المغرب
مراجعة شاملة لمدونة الأسرة، وهو ما مثّل تحوّلاً في موقع المرأة داخل المجتمع والقانون.
التعديلات همّت شروط الزواج والطلاق والحضانة والولاية، وأسست لمرحلة جديدة من النقاش
بين المرجعية الإسلامية ومتطلبات الحداثة الاجتماعية والقانونية.
أطلق الملك سنة
2005 المبادرة الوطنية للتنمية البشرية باعتبارها سياسة عمومية أفقية لمكافحة الفقر
والهشاشة. وقد استهدفت آلاف القرى والأحياء الفقيرة عبر تمويل مشاريع اجتماعية وتنموية،
وهو ما جعلها ورشاً مفتوحاً ساهم في تحسين الخدمات الأساسية وتعزيز قدرات الجماعات
المحلية.
رافقت هذه التحولات
إصلاحات اقتصادية ومشاريع كبرى، أبرزها ميناء طنجة المتوسط الذي بدأ العمل فيه مطلع
الألفية وحوّل شمال المغرب إلى منصة لوجستية وصناعية رائدة. كما جاء مشروع “نور ورزازات”
للطاقة الشمسية ليجسّد طموح المغرب في التحول الطاقي، وربط صورته المستقبلية بالطاقات
المتجددة والمكانة البيئية العالمية. وغيرها من عشرات المشاريع الضخمة في مجال
التصنيع والرقمنة والاتصالات ..إلخ
مع موجة الربيع العربي،
خرجت احتجاجات حركة 20 فبراير مطالبةً بالإصلاح والديمقراطية. استجاب الملك بخطاب تاريخي
أعلن فيه مراجعة شاملة للدستور. وقد صودق على دستور جديد في استفتاء يوليو 2011 عزّز
مكانة رئيس الحكومة، أقرّ التعددية اللغوية باعتبار الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب
العربية، وفتح الباب أمام جهوية متقدمة وفصل أوسع بين السلط.
وكجزء من الدينامية
الإصلاحية، أُطلقت سياسة الجهوية المتقدمة لترسيخ اللامركزية وتوسيع صلاحيات المجالس
الجهوية بما يتيح تدبيراً أفضل للموارد وتقليص الفوارق المجالية. وقد تبلورت هذه الرؤية
تدريجياً عبر قوانين تنظيمية جديدة ابتداءً من 2015.
رغم المنجزات، ظلت
تحديات العدالة الاجتماعية، الفوارق المجالية، وفرص التشغيل مطروحة بإلحاح. ومع ذلك
حافظ المغرب على استقرار مؤسساته واستمر في تحديث بنياته، مطوراً سياسات جديدة مثل
الحماية الاجتماعية الشاملة، تعميم التأمين الصحي، وتسريع الانتقال الطاقي لمواجهة
الأزمات المستجدة.
لقد فتح انتقال
1999 المجال أمام إعادة تأسيس العلاقة بين الدولة والمجتمع عبر ثلاثة محاور: المصالحة
مع الذاكرة الجماعية، الإصلاح المؤسسي والتشريعي، والتنمية الممأسسة. غير أن نجاح المشروع
في المستقبل يظل رهيناً بترسيخ سيادة القانون، تحقيق تكافؤ الفرص، ورفع مردودية السياسات
العمومية، حتى تتجسد فعلاً صورة “العهد الجديد” كفضاء يتسع لكل المغاربة.
المراجع الموثوقة
هيئة الإنصاف والمصالحة:
التقرير النهائي – المجلس الوطني لحقوق الإنسان (2005).
هيئة الإنصاف والمصالحة:
أجزاء التقرير النهائي – منصة CNDH.
مدونة الأسرة (القانون
70-03)، الجريدة الرسمية (2004).
خطاب 18 مايو 2005
لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
البنك الدولي: تقييم
مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
الوكالة الخاصة طنجة
المتوسط: تاريخ وإنجازات المشروع.
البنك الدولي: تقرير
حول مجمّع نور ورزازات الشمسي (2016).
خطاب 9 مارس 2011 للإعلان
عن الإصلاح الدستوري.
دستور المملكة المغربية
لسنة 2011.
احتجاجات 20 فبراير
2011 – تقارير زمنية وتوثيقية.
البنك الدولي: التشخيص
المنهجي للمغرب
(2018).
وثائق تاريخية حول
وفاة الملك الحسن الثاني ومرحلة الانتقال (1999).
روابط إلى مكتبات رقمية
التقرير النهائي لهيئة
الإنصاف والمصالحة: CNDH
خطاب 9 مارس 2011 (PDF): Portail de
la régionalisation avancée
دستور المملكة
2011
(Constitute Project): Constitute
مدونة الأسرة (BO 2004):
LandWise Resource
البنك الدولي – تشخيص
المغرب
(2018): World Bank Open Knowledge Repository
0 التعليقات:
إرسال تعليق