الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، سبتمبر 18، 2025

في الحاجة إلى روبوت اصطناعي وزيرا لمحاربة الفساد: عبده حقي


إذا كان تشكيل الحكومات في المغرب مرتبطاً دوما بتوازنات حزبية وحسابات سياسية، فإن اللحظة الراهنة تفرض إضافة معيار آخر لم يكن مطروحاً قبل سنوات: معيار الذكاء الاصطناعي. لم يعد هذا المجال مجرد قطاع اقتصادي واعد أو ترف معرفي، بل صار أداة سياسية صلبة يمكن أن تغيّر ميزان القوة بين الدولة والفساد.

وهنا يطرح السؤال: أليس من الضروري أن تضم الحكومة المقبلة وزيراً روبوت ، تكون مهمته الأولى محاربة الفساد في مؤسسات الدولة ومفاصل الاقتصاد؟

المشكلة في المغرب ليست في غياب أجهزة المراقبة، فالمؤسسات موجودة: المجلس الأعلى للحسابات، الهيئة الوطنية للنزاهة، لجان التفتيش. لكن الخلل يكمن في أن الفساد لا يُعامل كظاهرة بنيوية متغلغلة في الاقتصاد والسياسة والإدارة، بل كحوادث متفرقة. وهذا ما يفسر استمرار الرشوة والزبونية والمحسوبية رغم كل الشعارات. إن تعيين روبوت اصطناعي سيكون بمثابة إعلان أن المعركة مع الفساد هي معركة استراتيجية وليست معركة مناسباتية.

هناك من سيعتبر أن إدماج روبوت اصطناعي في محاربة الفساد مجرد خطوة تقنية، لكن الواقع أعمق من ذلك. فالخوارزميات ليست محايدة، بل تحدد مسار السياسات العمومية. وعندما تُسند مهمة محاربة الفساد إلى الذكاء الاصطناعي، فهذا يعني أن الدولة قررت تحويل البيانات إلى سلاح سياسي. عبره يمكن تتبع كل درهم في الميزانية العامة، رصد العقود المشبوهة، تحليل مسارات الثروة، والكشف المبكر عن تضارب المصالح. بكلمة أخرى: نحن أمام إمكانية تغيير قواعد اللعبة التي طالما استفاد منها الفاسدون.

تعيين وزير روبوت اصطناعي ليس مجرد استحداث حقيبة تقنية جديدة. إنه قرار سياسي بامتياز، لأنه يمنح للبيانات سلطة رقابية تفوق الأجهزة التقليدية. هذا الوزير الخوارزمي يجب أن يتمتع بسلطة عابرة للقطاعات، كي يفرض إدماج الذكاء الاصطناعي في كل وزارة وجماعة محلية ومؤسسة عمومية. بمعنى آخر، لن يكون مجرد تقني يتحدث بلغة البرمجيات، بل رجل سياسة يتعامل مع مقاومات النخب المستفيدة من الوضع الحالي. لأن أخطر ما يواجهه مشروع كهذا هو تحالف المصالح الذي سيحاول تعطيله.

من زاوية أخرى، هناك بعد سيادي لهذه الخطوة. فالمغرب الذي يطمح إلى أن يكون قطباً إقليمياً لا يمكن أن يُسوق نفسه كدولة رائدة إذا ظل عاجزاً عن توظيف هذه التكنولوجيا لمحاربة آفة داخلية مثل الفساد. بل إن محاربة الفساد عبر الذكاء الاصطناعي قد تتحول إلى ورقة دبلوماسية تعزز صورة المغرب كشريك موثوق ومستقر، خاصة لدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمؤسسات المالية الدولية.

ستكون الحكومة المغربية المقبلة أمام فرصة تاريخية: إما أن تستمر في تدوير نفس الحلول التقليدية التي أثبتت محدوديتها، أو أن تخوض مغامرة جريئة بخلق وزير روبوت اصطناعي يجعل من محاربة الفساد مهمته الأولى. هذه ليست فكرة طوباوية، بل استجابة لتحديات حقيقية في لحظة عالمية يُعاد فيها تعريف الدولة من خلال التكنولوجيا. فإذا أراد المغرب أن يربح معركة التنمية والديمقراطية معاً، فإن وجود وزير للذكاء الاصطناعي لم يعد خياراً ثانوياً، بل ضرورة استراتيجية لا تحتمل التأجيل.

0 التعليقات: