لطالما كان المغاربة وخصوصا صفوة النخبة المثقفة والتقنية منهم تتوق إلى زمن ترفع فيه أم الوزارات يدها عن زرالماكينة الإعلامية الرسمية وتحررها من حبال الهواتف الحمراء وتطعمها بأمصال الحرية والإستقلالية ...
وجاء الربيع المغربي قبل عشرسنوات من الخريف العربي الراهن وكان ضمن لائحة مطالب الأحزاب الديموقراطية منذ أواسط الثمانينات بعد ضم وزارة الإعلام إلى وزارة الداخلية ، إقرارالتعددية في المشهد الإعلامي الوطني إذ أنه لايمكن أن تستقيم الصورة وتزهرالكلمة الإعلاميتين إلا إذا تنفستا أوكسجين حرية التعبيربعد خمسة عقود من الكمون في جمود الرؤية الوحيدة وتسلطية الرأي الشمولي .
وأخيرا جاء الربيع المغربي وجاءت الهيأة العليا للإتصال السمعي البصري ال(هاكا) بأولويات إعلامية هامة جدا بهدف ترشيد وتنظيم القطاع وفق قوانين حديثة تقتعد بداية على معطى التراكم ثم الإستئناس بتجارب الدول المتقدمة وخصوصا الفرنسية منها .
وبعد سنوات من تأسيسها تم تحريرالمشهد السمعي كخطوة أولى في مسار التعددية الإعلامية وبالتالي تعاظم تفاؤلنا بهذا التحول الكمي والنوعي الإعلامي السمعي حيث سيكون من شأنه رفع الحيف عن أصوات الأغلبية الصامتة وتحفيزالعشرات من الطاقات المبدعة القادمة بعضها من أم الإذاعات RTMأوالقادمة أغلبها من المعهد العالي للإعلام والإتصال أوبعض المعاهد الخاصة المتواجدة بالبيضاء ومراكش في ظل تنافسية تروم بالأساس الإرتقاء بالوعي الثقافي والسياسي والإجتماعي والفني في المجتمع .
هكذا وعلى حين غرة تناسلت المحطات المتنوعة والموضوعاتية ونزلت العشرات من الميكروفونات إلى التروتواروفتحت خطوط الهواتف بالنهاروبالليل على أفواه المواطنين للإدلاء بآرائهم بكل حرية على الأون لاين ومن دون كبح لألسنتهم بالرقابة سواء الذاتية أوالرقابة السلطوية ...
لكن ماهي المحصلة بعد عشرسنوات من تحريرالقطاع السمعي ببلادنا ؟
لقد صارشغل وهم جل المحطات الإذاعية الخاصة اللهاث وراء تحقيق أعلى معدلات الإستماع والإتصال الهاتفي باعتماد خريطة برامج تناوربالأساس حول إنشغالات الطبقة المقهورة في آلامها الخاصة ومشاكلها اليومية العامة وأمراضها ووساوسها مما جعل جل المحطات تستنسخ نفس النموذج السمعي اليومي تحت شعارإذاعي قديم هو (مشاكل وحلول ) من الطب النفسي إلى التداوي بالأعشاب إلى الأعطاب الجنسية والعاطفية عن طريق لغة إعلامية هجينة لايدري المستمع إن كان البرنامج يبث باللغة الدارجة أواللغة العربية الفصحى أوالفرنسية أوجميعها في وعاء واحد أعني وعاء الميكروفون
فاللغة تتدفق مع مرورالبرنامج كيفما إتفق جملة بالعربية وجملة بالفرنسية وجملة أخرى نصفها بالدارجة والنصف الآخربالفرنسية والبرنامج يجري لاهثا فقط لملاحقة الدقيقة الأخيرة لإحصاء نسبة الإستماع وعدد الإتصالات الهاتفية .
وبقدرما إستحسنا إنفتاح المؤسسات الإعلامية السمعية الخاصة على الطاقات الشابة خريجة معاهد التكوين بقدر ماخاب ظننا ونما إحساسنا بالمرارة بسبب إفتقادها لثقافة واسعة كلاسيكية وحديثة تراثية ومعاصرة ولافتقادها أيضا للقدرة على تدبيرجولات الحوارالإذاعي ضمن تدرج تصاعدي يرفع من حرارته والسيربه إلى إشباع أفق إنتظارالمستمع المفترض .
وبالتالي فليس غريبا أن تتحول جل البرامج الصباحية مثلا إلى مطابخ وسلسلات لاتنتهي من الوصفات والشهيوات التي تستهذف بطون المستمعين وتغيب إطعام أذهانهم او برامج صباحية للتنكيت وانتزاع الإبتسامة قسرا من شفاه المستمعين .
إننا لانتغيا من خلال هذه (البلابلا) أن نوجه أنظارالقراء فقط إلى النصف الفارغ من الكأس أوأن نرسم صورة رمادية عن القطاع الإعلامي السمعي ببلادنا بل إننا نود أن نلفت إنتباه وآراء المهتمين إلى بعض الإنزلاقات والوثبات المجانية التي سقطت فيها بعض المحطات الإذاعية الخاصة والتي تستثمرفي منسوب الإستماع من دون أن تفكرأنها تعود ببعض برامجها إلى أزمنة الدجل وتفسيرالأحلام ونواقض الوضوء وجعل العديد من المؤسسات الإعلامية السمعية عبارة عن (سوبيرمارشيات) بدل من أن تكون مؤسسة تربوية تثقيفية توعوية تحسيسية وتنويرية .
وشكرا على حسن الإصغاء وإلى الخميس القادم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق