الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، أغسطس 17، 2015

من هو كاتب الإنترنت ؟؟

عبده حقي
يتعلق الأمرمن خلال هذا التساؤل بوضع إعتباري لكاتب/مؤلف يحدده في ملمحه الرئيسي طبيعة سند النشرالذي راهن عليه من أجل التواصل مع متلقيه أومن أجل توثيق إنتاجاته الأدبية والمعرفية والعلمية ..إلخ
ولكي نضع تساؤلنا في السياق العام لمرحلته التاريخية نطرح سؤالا آخريتطابق بالمقارنة الكلية بينه وبين سؤالنا في عنوان هذه المقالة : من هوصحافي الإنترنت ؟؟ على إعتبارأنهما ـــ الكاتب والصحافي ــــ فاعلين إجتماعيين .. ثقافيين .. إعلاميين إنتقلا من سند للنشرقد تكون تجاوزته المرحلة الموسومة بثورة عصر(تكنولوجيا التواصل والمعلوميات) أوثورة (عصرالمعرفة والتواصل) كأساس سندي لنسخ الأفكاروالآراء والمواقف... هوإنتقال من سند للنشرترسخ في التاريخ الفكري الإنساني منذ مئات القرون ، إلى سند حديث ينهض على دعامات إلكترونية تتكون من (حاسوب وبرمجيات وتياركهربائي وجهازموديم للربط الشبكي) .
إلى حدود هذا التعريف يكون البورتريه الإعتباري الذي رسمناه لكاتب الإنترنت غيرتام إذا لم ينشرهذا الكاتب إنتاجاته بواسطة مجموعة من الحوامل والأدوات الأساسية حتى يصيرمنتوجه الفكري مقروءا ، متداولا وجاهزا للتلقي والنقد والأرشفة ..إلخ
هذه الحوامل هي بالدرجة الأولى جهازالحاسوب والصبيب الشبكي والمنبرالإعلامي الإلكتروني ، وهنا مربط الفرس كما يقال ، بحيث أن كل منبريمنح لكاتب الإنترنت وضعا إعتباريا يرتبط أساسا بخصوصية المنبرالثقافي الذي نشر/ ينشرفي صفحاته ، فهوإما مدون Blogueur أوعضوفي منتدىMembre أوكاتب Ecrivain بالمفهوم المتداول في عالم الأدب ، وهذا المنبرقد يكون مدونة (بلوغ) شخصية ينشؤها الكاتب(ة) على نطاق إستضافة مجاني مقابل وصلات (فلاشات) إعلانية إما للمشاهدة أوللنقرclicks .. أوقد ينشئ موقعه باسم نطاق مؤدى عنه سنويا في إحدى السيرفات ... أوقد ينشرعلى صفحة مجلة إلكترونية مثل (كيكا والكلمة والأوان والحوارالمتمدن وميدوزا وغيرها ) أوقد ينشرفي مجلة إلكترونية تتوفرأيضا على نسخة ورقية غيرأن النسخة الإلكترونية لايتم تحيينها في غالب الأوقات إلا بعد أن يكون العدد الورقي قد نفذ من سوق العرض وتم إيداع المرجوعات في أقبية شركة التوزيع ، ما يجعل من النسخة الإلكترونية هي الأبقى والأيسرعلى البحث عبررابطها الخاص URL على الشبكة العنكبوتية أوباستعمال أحد محركات البحث المشهورة وعلى الخصوص غوغل .. لكنها في رأيي الشخصي عادة ما تكون هذه النسخة الإلكترونية شبيهة بالأداة المستعملة  Piéce d’occasion الفاقدة لقيمة جدتها ودهشة إضافتها الأدبية والفكرية ، هذا في حال إذا لم تكن هذه النسخة الرقمية تشوبها بعض النواقص على مستوى الرقانة والشكل والتصفح وجمالية التناسق ..إلخ ، ويمكن أن نشيربهذا الصدد إلى بعض المجلات والصحف السيارة وطنيا وعربيا وعالميا مثل (الآداب البيروتية ـ العربي ــ دبي الثقافية ــ الكرمل ـــ اليوم السابع ـــ طنجة الأدبية ـــ نزوى العمانية ـــ المدى العراقية ـــ الصدى ـــ الدوحة القطرية ـــ والمعرفة السعودية ..إلخ)
وقد ينشركاتب الإنترنت أعماله في موقع منتديات FORUM، وهذا صنف من المنابرالإلكترونية الموضوعاتية أوالشاملة يتميزعموما قبل النشرفيه القيام بإجراءات التسجيل وتوثيق المعلومات الشخصية ثم بعد هذا الحصول على كود الدخول Login أي التأشيرة التي ستمكن كاتب الإنترنت الضيف الجديد من إدراج نصوصه أوتحديث إسهاماته .. كما تتميزهذه المنتديات بتعدد أقسامها وبتعدد الأجناس الأدبية والعلمية والمعرفية وبتعدد الملاحق الحرة الخاصة ببعض الخدمات والنقاشات الإجتماعية والشات الثنائي ..إلخ
وقد ينشركاتب الإنترنت أعماله في موقع من مواقع التواصل الإجتماعي مثل الفيس بوك أو التويترأو مجموعات غوغل Groupes Google ، لكن من دون شك أنه يصعب على المهتمين بالنشرالإلكتروني تحديد ماإذا كان توفرأي شخص على صفحة فيسبوكية خاصة لنشركتاباته الأدبية أن يسمى كاتب إنترنت بحيث من دون شك ستثارهنا مسألة المعيارية الإبداعية والقيمة الجمالية والفنية والفكرية للمادة المنشورة نظرا لغياب هيأة تحريرأولجنة مراجعة أو سيستيم رقابة ، تلك المصفاة الآدمية التي تجيزأوتمنع نشرأعماله ،إذ ليس كل ما ينشرعلى حيطان الفيس بوك إبداعا أدبيا لكن قد يكون الفيس بوك بشكل من الأشكال ورشة لتطويرآليات ومهارات الكتابة والإبداع ونحت خصوصية الشخصية الأدبية من خلال الإستئناس بتجارب الآخرين ، بمعنى أن النشرعلى صفحة الفيس بوك يطرح إشكال كاتب الإنترنت بشكل أكثرحدة وموضوعية نقدية مما تطرحه المنتديات FORUM بحيث باستطاعة أحد طاقم هذه الأخيرة (إدارة ومشرفين) أن يحذف مادة أويغلق حسابا لعضوما بشكل مؤقت أوبشكل نهائي .
وأخيرا قد ينشركاتب الإنترنت إنتاجاته ومؤلفاته على صفحات كتاب إلكترونيEbook الذي يتم تصميمه على شكل PDF باستخدام برنامج لوجيسيالAcrobat Reader الذي تمنحه بالمجان شركة ADOBE إلا أن هذا الكتاب الإلكتروني وبهذا الشكل / الملف يحتاج إلى موقع تنزيل ليتوفرعلى رابط شبكيURL/PDF حتى يتمكن القراء من التواصل معه عبرالإنترنت . وتجدرالإشارة إلى أن Ebook وانطلاقا من التوقعات الراهنة سوف يكون من دون شك هوكتاب المستقبل الأوسع تداولا .
لكن إلى حدود الآن يبدوأن البورتريه الذي وضبناه لكاتب الإنترنت وطرائق تواصله مازالت تشوبه بعض القسمات الملتبسة إذ أننا ألفينا أنفسنا بصدد كتاب (بصيغة الجمع) وليس كاتبا مفردا كما ترسخت صورته النمطية في ذهنيتنا الورقية ، ثم من جهة أخرى ماكان لنا أن نطرح هذا السؤال الإشكالي الراهن لولا التحولات الحاسمة والبنيوية التي قلبت ثقافة النشرونشرالثقافة في العشرية الأخيرة ؟ وماكان لنا أن نطرح هذا التساؤل أيضا قبل عشرسنوات بحيث كان العامل المحدد زمنئذ للوضع الإعتباري للكاتب هوالحضورالمتردد في النشرالورقي سواء ضمن إضبارات شعرية أومجاميع قصصية أودراسات نقدية أوعلى صفحات المجلات والملاحق الثقافية التي مارست على مدى أكثرمن نصف قرن من الزمن أقانيمها المعيارية القيمية الفكرية وألإديولوجية وأسهمت بإزميلها الثقافي الوازن في نحت إسماء العديد من الكتاب وترسيخ كاريزميتهم الأدبية في المشهد الثقافي العام وبالتالي صارالتمتع بعضوية إحدى المنظمات الثقافية مثل ( إتحاد كتاب المغرب) أو(إتحاد الكتاب والأدباء العرب) رهين بتراكم النشرالورقي وبعده الرمزي والمعنوي والأدبي في صنع شخصية الكاتب ما يعني في جانب آخرأن الآلاف من الأقلام ما يمكن أن نصفهم ب (الأغلبية الصامتة) من آثروا مراكمة كتاباتهم الحميمية لسنوات عديدة في مذكراتهم الخاصة أوتقاسموا لذة نصوصها مع أصدقائهم آثرين هذا التغييب/الغياب القسري الذي آثرته هذه (الأغلبية الصامتة) على مرارة الفشل في تسلق سلاليم النشرالورقي أوفي حالات نادرة البحث عن مغامرة (للهجرة) إلى منابرالنشرالشرقية .. هذه (الأغلبية الصامتة) هي التي وسمت كظاهرة سوسيوثقافية أواخرالألفية الثانية وذلك بهجرتها الجماعية بدافع (الإحتجاج أوالإكتشاف) إلى أسناد النشرالجديدة التي منحتها الشبكة العنكبوتية بما وفرته من مناولات وآليات ومميزات تكنولوجية ورقمية تتعلق أساسا بالفورية والتحيين اللامحدود والتفاعلية والميدياتيكية والتشعبية والجمالية التقنية ..إلخ وبقدرما تطورت خدمات السيرفات وتعددت الأسناد وفضاءات النشرالإفتراضية (مواقع ـ مجلات ـ بلوجات ـ منتديات ـ ) تسامقت واستعرت أيضا غواية الكتابة وتطورت ميكانيزماتها وأسرارها لديهم ما كان سببا في تألق الكثيرمن الأسماء من هذه (الأغلبية الصامتة) التي شرعت أصداء ضجيجها تزحف شيئا فشيئا في الإتجاه المعاكس على خارطة النشرالورقي وكانت بذلك إيذانا بإشراقة مرحلة جديدة في عالم الكتابة والنشرتنتفي فيه الحدود بين الورقي والإلكتروني ويتمايزبالمد والجزربينهما .
لكن في ظل الواقع الراهن الموسوم بانتقال مختلف جسورالتواصل التقليدية المادية إلى الأسناد الإفتراضية وظهوربوادرإنهيارجدا (العزل) بين النشرالورقي والنشرالإلكتروني ألا يمكن إعتباركل الكتاب اليوم كتاب إنترنت سواء إستقلوا طوعا كبسولة النشرالإلكتروني أوبانخرطهم الشبه الطبيعي من خلال إدراج كتاباتهم على صفحات مجلات وملاحق ثقافية (ورق/إلكترونية ؟)  بمعنى آخرأن الإقامة الجديدة على الصفحات الإلكترونية سيكون إجباريا على الكاتب الورقي وبالتالي سيصبح كاتب إنترنت (خلقيا) (بكسرالخاء) بالضرورة التي فرضتها الرقمية الجارية وبالتالي أن هذا الوضع الإعتباري الجديد لم يعد إمتيازا بنفس القيمة الرمزية والإعتبارية لدى الكتاب الورقيين كما كان الشأن قبل عقد من الزمن تقريبا .
إن الإنتماء إلى كونية الإنترنت كتابة وإبداعا وتلقيا وحوارا هوبالأساس إنتماء لهوية تحدد ملامح خصوصيتها في لاهويتها ولاقاريتها وبقدرتها بنقرة (أوكيOK) واحدة على الإنتماء للمجموعة العالمية التي لم تعد تعترف بخطوط الطول والعرض على الكرة الأرضية . وإستنادا لكل ماسبق نطرح التساؤل التالي : ماذا حقق الإنترنت بكونيته لكاتب الإنترنت في محليته ؟؟
إن أول ملمح لظاهرة النشرالإلكتروني هوتكسيره للجدارالرابع للحدود الرمزية والمعنوية التي فرضتها سلطة الإيديولوجيا ... فلم يعد إنتماء الكاتب قسرا إلى خصوصية ما ينصهرفي نسقها الدين والجغرافيا وسلطة الرمزالإنتربولوجي ومكونات الهوية الثقافية والمجتمعية والسياسية وإنما أصبح باستطاعة كل كاتب إنترنت أن يشكل هويته الحديثة إنطلاقا من تصوره المفرد وإدراكه الجديد لدوره في المجموعة العالمية التي تقاسمه نفس الهموم والإهتمامات ونفس طرائق التواصل التعبيرية .. فكاتب الإنترنت المغربي كيفما كان مجال إشتغاله الإبداعي والأدبي والفني شعرا أوقصة أو رواية أونقدا أوفلسفة بإمكانه وفي ظرف رقمي وجيزأن ينتمي إلى أي جماعة تتقاسمه نفس القناعات والإشتغال وهكذا يصيرأي شاعرمغربي منتميا لتيارشعري في فلسطين أوالعراق وقد يلتحق بجماعة شعرية أخرى في هولاندا أوإلى تيارالمهجريين الجدد في الأرجنتين أوالبرازيل ..إلخ ويمكن لكل هذه الفئات مجتمعة أن تلتئم في إطارمجموعة شعرية كونية كبرى مثل مجالس عالمية تكون لها قوتها الإقتراحية الإفتراضية التي قد تتمكن من تصريفها على أرض الواقع لإعادة تشكيل عالمها(نا) من جديد عالم يقوم على هياكل تتآصرفيها بالتكنولوجيا بالثقافة .
لكن إلى أي حد سيسهم إنتماء النص إلى هذا اللاإنتماء الجديد في الحفاظ على قيمته الجمالية والأدبية وعلى خصوصية بنياته النصية الدالة في تجاورها وتحاورها مع نصوص أخرى ساقته معها كونية الإنترنت إلى نفس السند الإلكتروني ؟؟ وهل يمكن للعالمية أن تجعل النص/الكاتب .. كاتب الإنترنت أن ينأى بأدبيته إلى جزيرة أدبية الآخر(الحليف) من دون خسائرذاتية؟
قد تكون الإجابة عن هذا السؤال في الوقت الراهن مجازفة بحيث أن ظاهرة الأدبية الإلكترونية لم تكتمل ملامح إبداعيتها الرقمية والجمالية ولم تفرض بعد خصوصيتها الأدبية في أوساط التلقي من أجل مقاربتها مقاربة نقدية شاملة .  

0 التعليقات: