الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، أغسطس 16، 2015

ناتاليNATALIE

ناتاليNATALIE
هل كانت تعلم ..!؟ هل كانت تحلم ..!؟ صقر سريبرينتشا فقد جناحيه ومنقاره المعقوف ووقع في الفخ .. في القفص الذي نصبته العدالة الإلهية !!
ناتالي طفلة في قامة أسطورة مقدونية سحيقة ... مبتدأ وخبرحكايتها ليلة هبوط صقرسريبرينتشا على
عش المدخنة التي كانت تنفث دخان الأنس والطمأنينة الدافئة.. ذات شتاء عدواني...
في تلك الصبيحة فتشت عن ناتالي في المدرسة .. تحت سقيفة القرميد الأحمرالمعهودة .. سألت عنها الصديقات والرفاق وأسراب السنونو في غابات الزان والسنديان بجبل ( التيريبفي) ؛ فلم أعثرسوى على وصيتها على لوح الأردواز ملطخة بدم جدها على قنطرة ( زانيكا) .. اللوحة التي قد تكون أخطأتها سلاسل عجلات المدفعية الثقيلة .
في ذات اليوم الذي تعرفت على ناتالي في حديقة سيرك ( ماكسيموم ) بضواحي روما دوى الخبر في أذني كالرعد .. قال لي رفيقي : أنظرإلى الرجل المستلقي على السجاد التركي هنالك .. الرجل ذواللحية الرمادية المسدولة بعناية والتجاعيد الغائرة .. الرجل أبوها الذي يطفح شقاوة وزيادة هو حتما ليس أباها الشرعي ... وهذا أيضا ما أكده لي الجمركي القابع خلف غرفة الزجاج الغامق .. الجمركي الغارق في بزته الكستنائية على الحدود الجنوبية مع إيطاليا...
ناتالي طفلة بوسنية من قرية (كورانا) ، إذهب إلى هنالك وسترى أن زورقها الورقي ما يزال يطفوعلى
نهر(كورانا) ...
أشعل سيجارته .. سحب قبعة البرنيطة قليلا إلى قفاه وأردف : « إجتثت ميليشيات سلوبودان ميلوزوفيتش عائلتها بالكامل » ثم كررها مرة ثانية وثالثة مشفوعة بإشارة من يده اليسرى التي تحمل  سيجارة متوهجة (إجتثت ميليشيات سلوبودان ميلوزوفيتش عائلتها بالكامل ) وظهرعلى ملامحنا أنا ورفيقاي الكاميرامان وتقني الصوت تساؤل ملغزعن سربقاء ناتالي حية ترزق !! وتساءلنا عن هذا الملاك السماوي الرؤوم الذي أرسلته العناية الإلهية وخبأها عن النصل الذي مرفي قرية (كورانا) على كل الأعناق البضة ، الناصعة باردا وببرودة دم حقد دفين !؟
لم تكبرناتالي .. مازالت الآن أمامي تمرح .. تعدو وتلعب لعبة الغميضة تحت ردهات وبين مخابئ وأدراج سيرك (ماكسيموم) في ضاحية روما مع صديقاتها الصغيرات الأفارقة والمهاجرين المغاربيين غيرالشرعيين .
حين دوى خبرها  في أذني ، ناديتها على التو.. تفرست في عينيها اللتان تشبهان حبتا زيتون .. حدثتني
بإيطالية طليقة مشوبة بلكنة مغربية ... آه لو كبرت ناتلي  .. لوعلمت بحكاية الزورق الورقي الذي بقي يتيما على نهر(كورانا) لو تذكرت لوح الأردواز والطبشور والحمامة ــ قال لي الشيخ الذي يلقبه المهاجرون هناك ب (عاليا إزبيغوفيتش)  قال لي بغيظ : هؤلاء الأوغاد الصربيين الذي يقطنون معنا هنا .. هؤلاء المرضى البسيكوباتيون يلمحون إليها بالحقيقة كلما أجهزت على كلابهم بركلات جزمتي الجنوبية .. إلى أين سنهرب معا..؟ بربك قل لي إلى أين ؟ لا يخلوأي مكان في العالم من جنود القبعات الزرق من أقصى آسيا حتى أدغال (الكوت ديفوار) ... ناتالي هي  وحيدتي .. تبنيتها عن طريق الصليب الأحمربعد أن تسلمها مع عشرات الأطفال البوسنيين اليتامى من كتيبة الأوتان .. أتدري ما هوأقصى حلمي اليوم ياسيدي الصحافي المغربي .. أتدري ..أحلم بألا تكبر ناتالي .. آه إنني أخشى عليها أن تكبرثم تعود إلى قرية (كورانا) لتفتش عن لوحة الأردواز وحمامتها البيضاء وزورقها الورقي الطافي على النهرالهادئ.
في مطعم ( الدولتشي فيتا ) كنت أتناول وجبة غذاء بيتزا مع الصحافية صوفيا جارتي مراسلة جريدة (كوريير ديلا سيرا ) ومن خلفي سمعت على الكونتوارالخشبي صوتا ما لم أتبين مصدره إن كان منبعثا من قناة الأرونيوز أم لشخص مدمن مخمور يتحدث من خلفي عن سلوبودان ميلوزوفيتش الذي قتلته السكتة القلبية فجأة ... طوت صوفيا جريدتها ورنت إلي بنظرة ملغزة ذكرتني بنظرة ناتالي .. رشفت ما تبقى في قعرزجاجة الكوكاكولا ولوت شفتيها إلى الخلف .. فهمت إثرئذ ما كانت تعني .. ثم أردف الرجل من خلفي بلكنة بلقانية : سكتة قلبية ها..ها..ها..لعبة سخيفة.

0 التعليقات: