الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، أغسطس 16، 2015

جسد وظل على خط الاستواء : عبده حقي

جسد وظل على خط الاستواء
أمام عري المرآة، هناك في العمق الصقيل، اعتدت أن أنغرس...
وكم يلذ لي أن أغزو المشاحيذ كما لو أني فاتح .. فاتح ممسوس بتلك السهوب التي تتقمص اللون والقسمات...
من الداخل، هشمت القشرة كي أتخطى الفاصل بين الغيب والكينونة... هي حالة جبرية كي أقيس لذة المسافة الممتدة كعرقوب قاهرأمام ناظري .
الجسد يأتي على محمله باتجاه ملاذات العاكفين في الانصهارات اللذيذة.. وفي البدء تكون الشهقة الأولى بين العدم  والشروع في الترحال المحتوم .
مسافات للإختراق .. العالم في العينين.. ملتف حول مؤثثاته الداعرة، تارة تنتظم وتارة للخبل تمنح قاماتها.
من كوة البدء رنوت إلى الجسد بين دغلها مسوقا إلى حتف المسارات الليلية ... وعلى مرمى حجر ألفيته جسدا يشبهني  مقتعدا  حذاء ظله.. بينهما عوالم اللالون الأعزل.. أحيانا يخترق الواحد منهم ظل الآخر.. وكأنما ينبشان في مثاويهما عن نبتة التكوين..( يقع كل ذلك في زمن منساب على مجرى التهامس).
 يفتح الجسد صدره للنسائم الرحيمة والظل يفضح اكتساح انتعاشه الخلوب في صمت.
ثم تنتفض كائنات اللالون الأعزل مرة أخرى .. من ضفة الليل إلى انبجاس الصحوة الممتدة على سريرالسيدة المتسربلة بصخب الولادة واصطفاق الاجنحة.
وفي الأجواف تنهض قيامة الرقصة .. يعب الظل نورالنجمة .. الجسد يتطلع لغواية ظله،ثم على خط الاستواء يلتقيان، يتجاذبان أطراف إطباق باذخ، وأكون لهما موكبا عابرا بهما أو قيانوس التوحد... أقف عند ذاك المرفأ الذي تسكنه شهرزادات وعرائس بحورالحبر.. مزهوا أرقبهما ينزلان بخطو متناغم..( هي صورة باتت تحتل ميدان الذاكرة.. وتسعفني عند لحظة الاستحالة، لكائنين منذورأحدهما للآخر، لاترهقهما المعاكفة.)
الجسد البهي يأتي جاهزا، متمنطقا ببسمة القريحة.. في لفائف من القماط القدري.. يهاجر السرادب البدائية.. فجأة يندفع الهواء محمولا على الاوتارالطرية، النقية.. يتعمد بالدم الممزوج بعبق الفسق المباح ، في فجر يبصم زمنه على العنق الصوفي والكمان الأندلسي والزغرودة النشوانة.
راحة الأب المتشققة ذات التورمات الصلدة الراشحة بعرق الخبزالماكرتؤرجح الجسد البض من مأثرالترقب الى بلاقع المفارخ اللانهائية...
من أية بغوة يأتي للظل الوسن البابلي وللجسد اليقظات المقيتة؟ أمن القيافة المحتومة أم من جنون الخطو الأخيذ؟.
يمضى الجسد مدفوعا أو مسحوبا على سكة أقداره ... بين ادلهام مداهم ونهارمستعار وتناسل الازمنة المستبشعة ثم انبعاث الأنثى النفساء بين برزخين فتكون البداية الإرغامية لجسد آخرينتصب بدوره أمام عرى المرآة، ليعيد اللعبة البذيئة التي يقترفها الأنام وهم أشباه موتى.
قبل هذا التاريخ بزمن ما ، بزمن أسطوري ، التأمت نطفتان خالصتان  في أدمة الضباب، حكى جدي الأول أنهما من ترائب تراب القديسين، وكان الجسد متمددا على بطنه يقضم تفاحته الأولى وحين انتهى أحس بمغص  فبكي في غفلة من السماء..ثم استوى واستعد للترحال بخطيئته المزمنة. ..
فجأة انبثق ظل من الماوراء.. استجمع أنفاسه وفجرزفرة مدوية تشي بما قد يأتي من علاقات فاترة مع العالم والأنثى والحلم ، إلا مع ظله.
فــــاس 1992

0 التعليقات: