الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، مارس 01، 2020

كتاب اليوم الأمير الصغيرمحمد المزديوي

لأن الكبار لا يفهمون أفكار ، وأحلام ، ولغة الصغار . ويفسرون علاقتهم بالأشياء، بمنطق مختلف ، يصدم عوالم الطفولة وسحر أسرارها . فإن لهؤلاء الصغار ردود أفعالهم , التي تتأصل في تكوينهم اللاحق ، وتغذّي مخيّلتهم بصور مغايرة، وساخرة من الذين يحاولون تعطيل لغتهم ، وقدرتهم على التحليق .
وهذا ما حدث مع طفل اكسوبري ، ابن السادسة ، الذي رسم صورة لحيّة بوا تبتلع فيلا ، استوحاها من قراءاته لكتاب عن الغابة البدائية . حيث لم ير من كان حوله من الكبار ، في تلك الصورة ، إلا شكل قبعة . وقد أثاروا بفهمهم هذا خيبة أمله ، مما اضطره لترك الرسم .
إن قرار الطفل المحبط ، فيما بعد ، باختيار مهنة قيادة الطائرات ، هو واحد من ردود الأفعال المتحديّة لعالم يُحسن فيه الكبار لعبة ورق البريدج ، والغولف ، والسياسة ، وربطات العنق . ولكن لا يفهمون ما يرسمه طفل صغير . هو قرار الطيران بعيدا عن سوء الفهم .
وبخيال ذلك الطفل ، الذي يسكن في داخله ، يرسم اكسوبري عوالم روايته ، أو حكايته ، التي تشبه رسوم الصغار ، وهي تنتهك بألوانها المتداخلة ، وخطوطها المتنافرة باتجاهات لا تمسكها بؤرة واحدة ، أو إطار يشكلها على وفق حدوده الثابتة والمقيّدة لانتشار الفكرة . وتتهكم على منطق لا يرى بأكثر من زاوية نظره الضيقة . وقد قصد اكسوبري أن تكون الفاصلة حادة بين حياة الطفل وعالم الكبار . حيث لم ترد أيّ إشارة لمرحلة ما بعد طفولته ، ولحين أصبح طيّارا . كأنما أراد بذلك ، أن يمنح أجواء حكايته نقاء خالصا .. يظل فيها بطله طفل الصورة الحالم ، والطائرة مجرّد وسيلة لوجوده في مكان يحقق له حرية الحلم ، والطيران بعيدا عن تدخلات الكبار المفسدة لكل مخيّلة حرّة . مكان تأخذ فيه دعابة الصغار، وأفكارهم التهكميّة مداها الأوسع والمؤثر
 

0 التعليقات: