تقديم عبده حقي : نعود بعد زهاء عقد من الزمن للنبش في ذاكرة مدونتنا الإلكترونية لنستكشف إن كان شيء ما قد تغير في الواقع الثقافي المغربي والعربي وسؤاله المتجدد كل عام حول الدخول الثقافي .وإذا كان المثقف العربي (ثوريا أوعضويا أوتقنيا ) رقما حاسما وأساسيا في صناعة التغييرفي المشروع الثقافي والسياسي العربي في القرن الماضي ، فالسؤال المطروح في هذا القرن هو: مالذي يفسرخفوت صوته عن مواقفه الطليعية المعهودة ..؟؟ فهل ظهوروسائط تواصل جديدة والإنفجارالكبيرلشبكة الإنترنت بما أتاحته من تكسير للجدار الرابع في العالم قد جعلت المواطن العربي البسيط قادرا بذاته على نقل التعبيرعن رفضه بواسطة أسانيد حديثة (مدونات ، يوتوب ، إس إم إس ، فيس بوك ، تويتر، رسائل إلكترونية ..إلخ) مما جعله يتجاوز حاجته التاريخية والتقليدية إلى دورالمثقف الطليعي وصوته المتميزكوسيط للتعبيرالرافض نيابة عنه ...
وتأسيسا على كل هذه الحمولة الثقافية الملغومة نطرح سؤالنا حول توقعات الدخول الثقافي على مجموعة من الأدباء والمثقفين آملين أن تكون مساهماتهم قد أنارت بعض الزوايا الهامة فيه .
اليوم مع الشاعر والباحث صلاح بوسريف
نشرالشاعرصلاح بوسريف العديد من البيانات
الثقافية كان أولها بيان تحت عنوان : (إلى وزيرالثقافة قبل فوات الأوان)
وتعتبرالورقة التي يقترحها الشاعرصلاح بوسريف في ملف الدخول الثقافي متابعة لتصوره
حول راهن الثقافة في المغرب
لم نعرف خُروجاً ثقافياً، لنتحدث عن دخولٍ
ثقافي. كانت السنة الثقافية الماضية مليئة بالتوترات، وبشد الحبل، بين وزارة
الثقافة، المسؤولة عن القطاع، وبين المؤسسات الثقافية غير الحكومية، ومثقفين
اختاروا الحياة خارج هذه المؤسسات.
لا يمكن أن نختزل هذا التوتر، في شخص الوزير
الحالي، رغم أن هذا الأخير لم يكن، تماماً، في مستوى المسؤولية التي يتحملها،
فالأمر يعود إلى طبيعة وزارة الثقافة، كمؤسسة حكومية، تابعة للدولة. هذه الوزارة،
من حيث الأهمية، تأتي في آخر درجات اهتمام الدولة، وحتى الحكومات المتعاقبة على
تسيير الشأن العام في المغرب، كانت لا تلتفت تماماً، لهذا القطاع، ولا تعتبر وجود
وزارة بهذا المعنى، إلا نوعا من البروتوكول السياسي الذي يعطي انطباعاً بأن المغرب
يهتم بالشأن الثقافي. ميزانية وزارة الثقافة، هي أضعف وأبخس الميزانيات، وهذه
الوزارة، كانت، إلى وقت قريب، غير ذات أهمية بالنسبة للمثقفين المغاربة، وكان
التعامُل معها يعتبر جُرْماً، خصوصاً إبان مرحلة ما قبل التناوب التوافقي. فجائزة
المغرب للكِتَاب، لم يكن الإعلان عنها في جرائد اليسار، أو أحزاب المعارضة،
وارداً، وكانت تَمُرُّ في صمتٍ، لا أحد يهتم بها أو يلتفت إليها، رغم أن
التَّرَشُّحَ لها لم يكن يتم بالصورة التي تجري بها اليوم.
فالحكومات المتعاقبة على المغرب، منذ حصول
المغاربة على الاستقلال، إلى اليوم، لم تكن لها سياسة ثقافية واضحة، ولم تكن تفكر
جدياً، في وضع سياسة ثقافية لهذا القطاع، بما يمكن أن تتضمنه من برامج، وتفعيل
للقطاعات الثقافية التابعة للوزارة، أو لمديرياتها المختلفة، وبما يمكن أن تفرضه
هذه السياسة من ميزانياتٍ، لا تخص فقط، ميزانية وزارة الثقافة، بل كل الوزارات
التي يمكن أن تعقد معها هذه الوزارة اتفاقيات شراكة أو تعاون، مثل وزارة التعليم
التي يمكن اعتبارها إحدى شرايين الجسم الثقافي التي لم يعمل أي وزير ثقافة على
استثمار إمكاناتها المادية واللوجستية، وبنياتها التحتية، في دعم القراءة ونشر
المعرفة، أو ما يمكن أن نسميه بمجتمع المعرفة، وبفتح المؤسسات التعليمية، بمختلف
مستوياتها، على محيطها الثقافي والاجتماعي، وإشراك المثقفين والجمعيات الثقافية،
في المشاركة في مشروع " من أجل
مجتمعٍ قارئ " أو " مجتمع القراءة "، الذي لا يمكن أن تبقى
المسؤولية فيه ملقاة على وزارة الثقافة دون غيرها.
هناك أيضاً وزارات أخرى ذات أهمية في هذا
الشأن، مثل وزارة الشبيبة والرياضة، ووزارة الإعلام، وغيرها من الوزارات، ومؤسسات
القطاع الخاص، من مقاولات وشركات وبنوك، والمؤسسات المنتخبة أيضاً، باعتبارها
قطاعاً حيوياً لخلق فضاءات للقراءة والمعرفة، بما يمكن أن تُحْدِثَه من بنيات
تحتية، ومن مكتبات وسائطية، ومعاهد للمسرح والموسيقى والرقص، وغيرها من الفنون
هذا الأمر رهين بوزير الثقافة، أعني بشخص
الوزير، وبما كان يمكن أن يهيئه من تصورات للقطاع، تكون أرضية لنقاش يجري بين
المعنيين بالقطاع، بفئاتهم المختلفة، وهو ما قد يفضي لوضع أفق لسياسة ثقافية تحظى
بمشاركة المثقفين وبدعمهم، قبل أن يتم اقتراحها على الحكومة.
حتى عندما اعتقدنا أن وزراء حكومة التناوب، أو
ما بعدها، وهم ثلاثة وزراء، ليس أكثر، سيعملون على وضع القطار على السكة، والنهوض
بالقطاع، ليس بما يضعونه من برامج أو أنشطة تخص الوزارة، أو تخضع لتخطيط مرحلي
مرتبط بشخص الوزير، لا بسياسة الوزارة، وبخطة أو برنامج بعيد المدى، فإن ما جرى،
كان عكس ما كُنّا نتوقعه. ارتبطت " سياسة " الوزارة، على عهد محمد
الأشعري، بشكل خاص، بمنطق الولاء السياسي والشخصي، ما جعل كل ما حدث على عهده، من
دعم للنشر والبرامج الثقافية، ومن اهتمام بقطاعات أخرى، ينتهي بمجرد انتقال الوزارة
إلى غيره من الوزراء، خصوصاً، على يد الوزير الحالي بنسالم حميش، الذي سيقف هؤلاء
ممن كانوا مستفيدين من زمن الأشعري، في وجهه، والكثير منهم كانوا من الذين عملوا
مع الأشعري، أو حظوا بامتيازات، في النشر أو في السفر، أو في ترجمة الأعمال
الصادرة عن وزارة الثقافة، التي لم تكن دون مقابل مادي.
لا أحد من هذه الأطراف التي وقفت في وجه حميش،
وقاطعته، أو وقفت للاحتجاج أمام وزارة الثقافة لتطالب برحيله، استطاع أن يضع
اقتراحاً لمشروع سياسة ثقافية شمولية، ليس بالضرورة أن تضعها على طاولة وزير
الثقافة، إذا كان هذا الأخير غير مؤهل لمسايرتها، فهناك رئيس للوزراء، وهناك
برلمان بغرفتين، وهناك رأي عام ثقافي، وكثير من الأطراف التي يمكنها أن تضغط في
اتجاه وضع وزارة الثقافة في سياق ما تفرضه مجتمعات المعرفة اليوم، من تحديات في
نشر المعرفة وتعميمها، وفي الانتقال إلى ما أصبح يسمى بـ " اقتصاد المعرفة ".
فلا الدولة اهتمت بقطاع الثقافة، أو وضعته على
جدول أعمالها، ولا وزارة الثقافة عملت على فتح أوراش لوضع سياسة ثقافية، بمشاركة
المعنيين بالقطاع، ولا الجمعيات الثقافية والفنية، أو النقابات المرتبطة بالشأن
الثقافي والفني، استطاعت أن تُحْرِجَ كل هذه الأطراف وتفتح أوراشا لإنجاز هذا
المشروع. فمشاكل الثقافة بالمغرب، وغياب دخولٍ ثقافي، بالمعنى الذي يجرى به في
أكثر من بلد، وتكون، عادةً، وزارة الثقافة، والأطراف أو القطاعات العاملة معها أو
المعنية بالشأن الثقافي، التي لا تنحصر في مجرد وزير أو وزراء أساؤوا تدبير القطاع،
وإدارته، يعود بالأساس إلى غياب سياسة ثقافية، قادرة على النهوض بالقطاع.
فغياب سياسة ثقافية، وبرامج بعيدة المدى، متعاقَد عليها، ومُلْـزِمَة
للوزارة كمؤسسة حكوميـة، هو ما يجعـل من الوزارة، فـي صورتها الراهنة؛ مجرد جمعية
كبيرة تحظى بميزانية، وبدعم حكومي، تعمل على إنجاز أنشطة تتعلق بالثقافة وبغيرها
من القطاعات التابعة للوزارة، كما يجعل من الجمعيات والنقابات، تتحرك وفق مصالحها،
وما قد تحظى به من امتيازات، أو من علاقات تربطها بشخص الوزير، دون أن تكون مستقلة
في قراراتها.
لم يعد الوضع الثقافي، عندنا، يَحْتَمِل كل هذا
التأجيل، أو يظل سجين خلافات صغيرةٍ، لا ترقى لمستوى الاختلاف في البرامج
والمشاريع والأفكار. الثقافة اليوم، إلى جانب إهمال الدولة وتغاضيها عن القطاع، هي
ضحية صراعات المثقفين أنفسهم، لأن الكثيرين منهم، ممن أصبحوا اليوم يدينون ما
يجري، كانوا سبباً في هذا التعثُّر، وهذه الانزلاقات التي يعيشُها وضعنا الثقافي.
هُم من كانوا مسؤولين على تسيير اتحاد كتاب المغرب، وهم من كانوا مسؤولين على
الصفحات والملاحق الثقافية للجرائد الحزبية، وهم من كانوا مسؤولين عن البحث العلمي
في الجامعات المغربية. فإذا كانوا هُم، بكل هذه المسؤوليات ذات الصلة بالثقافة، لم يؤسسوا لوضع ثقافي
مؤثر، ولم يفرزوا نُخَباً، قادرةً على وضع المعرفة في سياقها المجتمعي، أو في
الخروج بالجامعة من المأزق الذي تعيشه، فكيف يمكنهم اليوم أن يتحدثوا عن الوضع
الثقافي، من موقع الضحية، بدل أن يقوموا بنقد ذاتي لتجربتهم، ويتركوا الأجيال
الجديدة تقوم بدورها في التغيير، مثلما يحدث في كل الشوارع العربية اليوم.
فما حدث هو أن هذه الجمعيات، وهؤلاء الأشخاص،
رهنوا أنفسهم بالوزارة، وبما كان لهم من حُظوة أو امتيازاتٍ، فبمجرد انقطاع هذه
الحظوة أو هذه الامتيازات، توقف كل شيء، بما في ذلك الحراك الثقافي، الذي بدا أن
الجميع اليوم، يعود فيه بالمسؤولية إلى الوزير الحالي، الذي بالأسف، لم يُفَرِّق
بين شخصه أو حساباته الشخصية القديمة، وبين مسؤوليته على قطاع حيوي، زاد من مضاعفة
أزمته، ورفع من درجة الاحتقان إلى الحد الذي أصبح
فيه من غير الممكن أن يحدث شيء دون أن يترك الوزير مكانه لمن يمكنه أن يكون
قادراً على تدبير الاختلاف، والنظر إلى الأمور بما يكفي من الحكمة والتَّبَصُّر،
لا بما يكفي من " جُرْحٍ وحكمةٍ " !
0 التعليقات:
إرسال تعليق