الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، ديسمبر 31، 2021

حوار مع الكاتب عبده حقي خاص بجريدة الأحداث المغربية

 -


 
السؤال الأول: تسببت جائحة كورونا في تعليق  أغلبية الأنشطة الثقافية وإلغاء جل المواعيد المرتبطة بحقل الثقافة. إلى أي حد استطاعت الوسائط الرقمية ملء هذا الفراغ وتعويض هذه الأنشطة؟

ج : بصيغة أخرى لو افترضنا أن جائحة كورونا ضربت البشرية قبل ربع قرن فإلى أي مصير كانت ستؤول جل أنشطة المبادلات والإنتاجات الإنسانية المادية منها والفكرية ، فلاشك أنها كانت ستحدث "القيامة" بعينها وربما كانت الكرة الأرضية ستعيد دورتها من جديد لكن من حسن حظنا ومن لطف الأقدار أن طوق النجاة الرقمي كان جاهزا بل وفعالا جدا مما جعل الخسائر بمختلف أوجهها تكون أقل كارثية مما كنا نتصور وكأن لا حجر صحي فرض على المجتمعات ولا تباعد اجتماعي قطع الحبل السري بين الأفراد ولا إغلاق تسبب في استفحال الكساد الاقتصادي إلى درجة أن نوايا الكثير منا ذهبت إلى أن الأمر يتعلق بمؤامرة كونية تتزعمها الشركات العالمية والأمريكية على الخصوص الرائدة في مجالات تكنولوجيا المعلوميات والتواصل وعلى رأسها شركتا مايكروسوفت التي يرأسها بيل فيتس .

ومن المؤكد أن الوقت الميت للبحث عن الحلول الناجعة لم يستمر طويلا فقد أسعفتنا الوسائط التكنولوجية والرقمية على تجاوز متاريس الجائحة ، بحيث كم من التطبيقات الرقمية جعلتنا نتوفق إلى حد ما في تنفيذ الكثير من البرامج الثقافية الحوارية افتراضيا كتطبيقات غرف الدردشة الفورية مثل بالتوك وزووم ويوتيوب وتيليغرام وسكايب وواتساب ..إلخ ولم تتوقف أيضا حركة المهرجانات السينمائية أو الندوات الثقافية التي أنجز الكثير منها عن بعد ولا زالت إنجازاتها تنشر كل يوم على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الخصوص فيسبوك ويوتيوب.

إن جائحة كورونا جعلتنا بكل تأكيد نستيقظ وننتبه بشكل إيجابي للغاية لهذا "العفريت" الرقمي الذي أخرجه فيروس كوفيد 19 من قمقمه لكي يسعفنا على تغيير العديد من ممارساتنا اليومية من واقعها الأرضي الملموس إلى واقعها الافتراضي والمعنوي لكن السؤال المطروح بإلحاح هو إلى أي حد سنجعل من هذه الوسائط التكنولوجية والرقمية رافعة لتحقيق العديد من المكتسبات عن بعد على مستوى الفن والثقافة والتعليم والخدمات الإدارية والمال والأعمال .. إلخ وأعتقد أن هذا هو ما حفز بلادنا على خلق وزارة منتدبة مكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة     .

السؤال الثاني: ظهرت الكثير من التطبيقات الجديدة مثل وسائل التناظر الرقمي، هل يتعلق الأمر بتسريع لوتيرة الانتقال الرقمي، وأي وجه مستقبلي تعطيه هذه الوسائط لحقل الثقافة؟

طبعا كما ورد في جوابي السابق فكأن الأمر يتعلق بتخطيط "مبيت" تقوده خمس شركات عالمية كبرى ما أصبح يصطلح عليه ب GAFAM وهي " غوغل – أمازون – فيسبوك – آبل – ميكروسوفت " للانتقال إلى نماذج اقتصادية حديثة تستند أساسا على تقنيات إمكانات الرقمية و برامج الخوارزميات التي تتيح لنا بضغطة زر واحدة تنفيذ عديد من ممارساتنا اليومية باستعمال هواتفنا الذكية فقط بدل من الانتقال من مكان إلى مكان آخر لإنجازها . إذن لا غرابة في أن الحجر الصحي في العالم أجمع من المحتمل أن يكون عملية إحماء وتدريب سابق لأوانه لتأهيل المجتمعات لمستقبل سوف تتقلص فيها الدائرة الفضائية والمكانية لكل مواطن ليكتفي بالعيش في بيته في كنف الرقمية وتأثير ذلك على حماية البيئة من التلويث البشري والتقليل من حوادث السير وإفرازات الغازات السامة وغير هذا من السلوكات التي تضر بالإنسان وتقلص من جودة حياته وعمره ...

على المستوى الثقافي ليس باستطاعة هذه التطبيقات في الوقت الراهن وحتى في المستقبل المتوسط أن تكون بديلة عن تقاليدنا الثقافية الحميمية التي تتشح بدفء المصافحة الإنسانية والتفاعل الروحي العميق مثلا كتوقيع الإصدارات الجديدة وحضور الندوات واللقاءات والمهرجانات الثقافية والفنية ..إلخ فكيف لنا أن نتصور أو نتخيل استنساخ بعض مهرجاناتنا الفنية والثقافية افتراضيا كالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء أو مهرجان الموسيقى الروحية بفاس والسينما بمراكش أو مهرجان أصيلة الثقافي أو كناوة بالصويرة أو مهرجان التبوريدة بالجديدة أو مهرجان أحيدوس بعين اللوح بضواحي مدينة إفران ..إلخ ومن جانب آخر كيف بهذه المهرجانات "الافتراضية" أن تحقق عائداتها ومداخيلها المالية رقميا وتأثير ذلك على التنمية المحلية اقتصاديا ومجتمعيا لتجويد حياة المواطنين ... ومما لاشك فيه أن هذا الانتقال آت لا ريب فيه رويدا رويدا وستكون له تكلفة باهظة على المستوى الإنساني والاقتصادي والسوسيوثقافي . لكن ماذا بوسعنا أن نفعل إذا كان مستقبل البشرية اليوم رهين باستراتيجيات ومخططات شركات GAFAM وإذا كانت الحرب العالمية الثالثة تدور رحاها اليوم في السر والعلن في ميدان تكنولوجيا المعلوميات والتواصل بين أمريكا والصين والتي ستكون الدول الفقيرة والصاعدة أولى ضحاياها إن هي لم تسعى إلى التسلح بالرقمية .

السؤال الثالث: لم تزل نسبة نشر الكتاب الإلكتروني منحدرة جدا في المغرب مقارنة مع الكتاب الورقي، من خلال متابعتك الحثيثة لهذا الموضوع كتابة وترجمة، إلى ماذا تعزو الضعف الشديد جدا للنشر الإلكتروني بالمغرب قياسا بارتفاعه في الغرب؟

مما لاشك فيه أنني كتبت وترجمة العشرات من المقالات في هذا الصدد ونشرت كتابا إلكترونيا مترجما موسوما ب"نبذة عن تاريخ الإنترنت والكتاب الإلكتروني" وكانت تجربتي في نشر الكتاب الإلكتروني رائدة على مستوى المغرب إلا أنني كنت أشعر أن جميع هذه الإسهامات هي مجرد صيحة في واد بدل أن تكون صيحة في وادي السيليكون ..

إن الأمر يتعلق بالدرجة الأولى بذهنية عامة تمجد التشبث بممارسات إنتاجية تقليدية وتتوجس من العواقب المفترضة من كل جديد وغريب عن عاداتنا اليومية ..إلخ فبالرغم من أننا نسبح نهارا وليلا في محيط هائج من المنشورات الرقمية على الحوامل الإلكترونية كالهواتف الذكية والحواسب ونتصفح مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية الإلكترونية ونطالع الأعمال الأدبية على المنصات الرقمية بل الأدهى من كل هذا أننا بتنا نعيش تناقضا صارخا في ممارساتنا القرائية ، فعلى الرغم من أن الكتاب الورقي قد اختفى كليا من حياتنا اليومية كتقليد ثقافي كنا نمارسه في الأمس القريب في الحدائق ومحطات الباصات والمقاهي فهو مازال رغم اختفائه حاضرا في أذهاننا ويشدنا بقوة كمصدر للتواصل والمعرفة والتثقيف والتباهي بين الكتاب ودور النشر.. إلخ . وتجدر الإشارة إلى أن جميع الكتب التي تصدر عن دور النشر هي كتب يتم تنسيقها في الأصل إلكترونيا ثم يتم طبعها ورقيا وتوزيعها في مرحلة لاحقة على المكتبات والأكشاك في حين أنه باستطاعة النسخة الإلكترونية أن تحقق نموذجها الاقتصادي وبسعر أقل من النسخة الورقية كما يمكن توزيعها ونشرها رقميا بكلفة أقل تعفي الكتاب من ترسانة اللوجيستيك الهائل من ورق وعمال ومطابع وسيارات نقل وتوزيع ..إلخ هذا فضلا عن أن الكتاب الإلكتروني هو قبل كل شيء صديق للبيئة بامتياز.

وعودة إلى سؤالك الأول وانعكاسات الجائحة على حياتنا اليومية فقد أدى فرض الحجر الصحي على الجرائد الورقية إلى التسريع والرقي بالنسخ الإلكترونية وربما إعفاء أعضاء هيأة التحرير من الحضور إلى مقر الجريدة والاشتغال عن بعد وهذا تحول إعلامي غير مسبوق ربما سيحفز عديد من المؤسسات الإعلامية الورقية إلى الاعتناء أكثر بنموذجها الاقتصادي الرقمي بدل الورقي الباهظ الثمن .

0 التعليقات: