الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، مارس 28، 2023

حوار مع الفنان المسرحي والمنشط الثقافي أحمد جواد حاوره عبده حقي


أحمد جواد هذا الفنان المسرحي المغمور والشهير في نفس الوقت .. هذا القناع الركحي الذي يظهر ويختفي تارة بابتسامة تفاؤل وتارة بدمعة أفول .. عرفته قبل ثلاثين سنة حين ضجت ساحة أبي الفنون بخبر إضرابه المفتوح عن الطعام بعد أن عزمت السلطات بمدينة الجديدة على هدم المسرح البلدي عام 1994 .

نضالاته من أجل أن يبقى أبي الفنون حقا أبا للفنون ومصدر رزق حلال لرواده لا تخفى على أحد منذ عقود ، لكن أبا الفنون لم يبادله غير الجحود بل التفقير والعيش على هامش الكرامة الاجتماعية والثقافية بعد أن ضحى باستقراره وصحته وطمأنينة أسرته من أجل أن يبقى المشهد الثقافي المغربي متوهجا ورافعا رأسه على المستوى العربي والعالمي .

منذ سنوات عديدة اشتدت أزمة رمق العيش وضيقت بخناقها على الفنان المسرحي والمنشط الثقافي أحمد جواد وتراكمت عليه الديون بشتى أصفادها وألوانها مما دفع به إلى استجداء أصدقاء الأمس لإنقاذه من الموت الرمزي والمعنوي المحقق.

في صبيحة يوم الإثنين 27 مارس 2023 اهتز المشهد الثقافي المغربي وتزامنا مع اليوم العالمي للمسرح على خبر إقدام الفنان أحمد جواد على إضرام النار في نفسه في محاولة لإسدال الستار نهائيا عن مأساته ومعاناة أسرته في الحياة .

وبكل تأكيد أنني أختلف مع الفنان أحمد جواد بالطول والعرض على إقدامه على الانتحار حرقا وبكل تأكيد أنني لست على دراية عميقة بمطالبه الأساسية تجاه الوزارة الوصية فإنني بكل تأكيد أتحفظ بل أنأى بنفسي عن التضامن معه أو مؤازرته لما يشكله هذا الحدث الأليم من خدش لسمعة مثقفينا وبلدنا على الصعيد العربي والعالمي .

بهذه المناسبة الأليمة أعيد نشر هذا الحوار الذي أجريته معه قبل عشر سنوات أي منذ 2013 لعله يفيد المتتبعين والمهتمين بالشأن الثقافي بالمغرب في تلمس حيثيات وخلفيات إقدام الفنان المسرحي والمنشط الثقافي أحد جواد على الانتحار حرقا.

حوار مع الفنان المسرحي والمنشط الثقافي أحمد جواد

حاوره عبده حقي

إنجازوتقديم :

أحمد جواد هذا القادم من (أم معاركه) في منتصف تسعينات القرن الماضي حين إسترخص زهرة شبابه ضدا على عقلية المعول الذي كان سيجهزعلى المسرح البلدي بمدينة الجديدة سنة 1994 .. وبذلك قد يكون أول مواطن مغربي بل يكاد يكون أحمد جواد أول شاب في العالم يخوض اعتصاما وإضرابا عن الطعام مفتوحين ضد قرار سياسي متهور.

وأنت تصغي إلى سيرته تدرك أن الفعل الثقافي بالنسبة له ليس ضرورة يومية كالخبز والماء فحسب وإنما هو أكبر من هذا وذاك إنه قضية فرد ومجتمع ووطن ...

ولعل أن جل المثقفين كتابا وأدباء وفنانين يدركون أن الرجل كان يقيم في (نادي الأسرة) ربما أكثر من إقامته في عش أسرته وانه حتى بعدما أوصدت الأيادي الخفية (نادي الأسرة ) في وجهه واصل المعركة من أجل تأثيث ملاذ ثقافي وفني آخر يلتئم في (بهوه) الحميمي المفكرون والأدباء والفنانون .

في هذا الحوار الخاص سنعود مع أحمد جواد المسرحي والمنشط الثقافي بفضاء (البهو) بالمسرح الوطني محمد الخامس لنقلب معه مواجع المشهد الثقافي بالمغرب منذ تسعينات القرن الماضي .. أسراره .. ألغازه وكيف تكون المراهنة على الفعل الثقافي في العالم العربي مخاطرة تقود حتما إلى العوز وضنك العيش والإقامة في أدنى السلالم الإدارية .

س الأستاذ أحمد جواد لنقربك أكثر من قراء موقعنا في المغرب والعالم العربي ، كيف وماهي الشروط الموضوعية والذاتية التي جعلت الفنان أحمد جواد ينخرط في أب الفنون : المسرح ؟

ج  كان ذلك أواسط سبعينيات القرن الماضي..حيث كنت مولعا وموهوبا بكرة القدم ضمن فرق الأحياء وكنت اللاعب الاسثتنائي الوحيد في الحومة لكوني اخترت اللعب لفريق غير فريق حينا وكان هذا الفريق الذي ألعب له يعقد اجتماعات كل يوم خميس بدارالشباب "البريجة" الوحيدة انذاك بمدينة الجديدة وكانت القاعة التي تحتضن اجتماعاتنا هي نفسها التي كانت تستعملها إحدى الجمعيات المسرحية واسمها جمعية (عروس الشواطئ) لاقامة التداريب المسرحية .. بدأت أحضر معهم التداريب الى أن سكنني فن المسرح ووجدت نفسي ألعب دورالفقيه في إحدى المسرحيات وهي بعنوان (الله يرحم أمي طامو ) التي ألفها المرحوم أحمد الطيب لعلج وكان هذا النص المسرحي منشورا ضمن مجلة كانت تصدرها وزارة الثقافة ...أذكر جيدا أنني إختلست جلباب وبلغة وسبحة والدي كان ذلك صيف 1976 لألعب دورالفقيه ومن سوء الحظ ان السبحة إنفرطت حباتها فجلدني الوالد شرة جلدة .. بعد هذا وجدت نفسي قد ابتعدت تدريجيا عن لعبة كرة القدم واقتربت أكثرمن المسرح واستفدت من خلال بعض الدورات التكوينية التي كانت تنظمها وزارة الشبيبة والرياضة ولابد بهذه المناسبة أن أشكر الاساتذة الذين كان لهم الفضل علي في تعلم أبجدية المسرح وبالخصوص الدكتور حميد برودان والمخرج يحيى بودلال...ولاباس بهذه المناسبة ان استحضر معك اخي عبده حقي بعض الاعمال المسرحية التي شاركت فيها مثل "العين والخلخال" سنة 1978 و"البوهالي" سنة 1982 "حلاق درب الفقراء" سنة 1983 و"السيرك" سنة 1985 "الفكرون" سنة 1986 وقد صادف هذا العرض عودة الكاتب الكبير المرحوم ادريس الشرايبي الذي شرفنا بحضوره لهذا العرض ...بعد هذه مرحلة الهواة هاته رحلت الى الرباط حيث اشتغلت كتقني مع الفنان عبد الحق الزروالي في مسرحيتين هما "عكاز الطريق " و"سرحان المنسي " وجلت معه المغرب طولا وعرضا...وفي سنة 1989 اشتغلت مكلفا بالصفحة الفنية لجريدة "المنتخب" الرياضية وكذلك مجلة "استوديو" التي كان يديرها الاستاذ مصطفى بدري إلى حدود اواخر 1991...لأعود بعدها إلى مدينة الجديدة حيث قدمت مسرحية "الصعلوك " مع جمعية (عروس الشواطئ) رفقة رواد الحركة المسرحية .

س يبقى حدث خوضك إضرابا عن الطعام حد الموت في أواسط التسعينات إحتجاجا على إعتزام السلطات هدم صرح المسرح البلدي أكبر حدث فني وثقافي وقتئذ ، نود الفنان أحمد جواد أن نعود بك إلى هذه الدراما الواقعية وتفاعلاتها إلى أي حد ساهمت في تنبيه الجهات المسؤولة والمهتمين بالمسرح والجمهور بقداسة المسرح في روحك ؟

ج  لابد هنا من إثارة شئ مهم وهو أنني كنت أداوم على حضور دورات المجلس البلدي بمدينة الجديدة وفي دورة أكتوبر سنة 1993 تضمن جدول أعمال الدورة هدم بناية المسرح البلدي والمحلات التجارية المجاورة له بدعوى إحداث ساحة كبرى لاحتضان حفل عيد الشباب الذي تقرر رسميا أن تحتضنه مدينة الجديدة ويترأسه الملك الراحل الحسن الثاني .. وصادق المجلس البلدي بالاغلبية على مشروع الهدم وكانت أولى ردات الفعل من الجمعيات المسرحية التي راسلت عامل الاقليم احتجاجا على قرار الهدم هذا ، لكن للاسف لم يستجب لنداء الجمعيات المسرحية لكون رئيس المجلس البلدي كان هو المدعو أرسلان الجديدي وهو برلماني وزعيم حزب مشارك في الحكومة ومثل هؤلاء الأشخاص النافذين في الدولة لم يكن عمال الأقاليم يعارضونهم في سياساتهم خصوصا أن حمايتهم كانت بمظلة من طرف وزير الداخلية الراحل إدريس البصري...لكن في 25 مارس 1994 وجهت رسالة الى السيد احمد عرفة عامل إقليم مدينة الجديدة لأخبره فيها بأنني على ضوء القرار الذي اتخذه المجلس البلدي بهدم المسرح البلدي فانني قررت أن أخوض اعتصاما مفتوحا وإضراب عن الطعام احتجاجا على هذا القرار...وكان يوم الاحد 27 مارس 1994 وفي حدود 8 صباحا جلست أمام المسرح البلدي حاملا حقيبة سوداء علقت عليها يافطة كتبت عليها قراري بالاضراب عن الطعام تضامنا مع بناية المسرح البلدي وهو الاضراب الذي إستمر من 27 مارس الى غاية 31 منه وقد صرت بهذه الحركة الإحتجاجية أول مغربي أضرب عن الطعام خارج السجن وربما أول فنان في العالم أضرب عن الطعام للإحتجاج على قرار هدم بناية ثقافية في المغرب  !! لكن في حدود الساعة 10 صباحا تم اعتقالي وسجني في معتقل تابع للاستعلامات العامة حيث تعرضت للتهديد والوعيد من طرف عميد الشرطة إلا أنني رغم ذلك صمدت بل فاجأته بالقول بانني سلكت جل الطرق القانونية وأنني وضعت رسالة لدى السيد عامل الإقليم ولم أتوصل بالمنع بالرغم من أن القانون واضح في مثل هذه الواقعة فرد علي هل تحتفظ بنسخة من تلك الرسالة فأجبته بنعم وسلمته النسخة وفي تلك اللحظة خرج وصعد مهرولا الى الطابق العلوي وبعد نصف ساعة عاد وهو أكثر لطفا وتفهما وبادر الى تسليمي الرسالة غير أنني طلبت منه أن يحتفظ بها ثم إستفسرني إن كانت توجد هذه الرسالة عند شخص آخر فأجبته بأن هناك نسخ أخرى أودعت واحدة منهما لدى النائب البرلماني مصطفى الكثيري عن حزب الاتحاد الاشتراكي ونسخة لدى فرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان مرفوقة برسالة من أجل التضامن ونسخة ثالثة لدى السيد عبدالله غيتومي عن نادي الصحافة وأدركت للتو أن هذه الإفادة كانت بمتابة مفاجأة صادمة تلاقاها العميد بل أكاد أقول جل قسم الاستعلامات إذ وجدوا انفسهم آخر من يعلم... بعد ساعتين عاد بشوشا وهو يزف لي خبر إطلاق سراحي قائلا ( هيا خذ أغراضك وعد الى منزلكم ولا تنسى أن تعود إلينا يوم الثلاثاء فقد قرر المسؤولون البحث لك عن شغل أو وظيفة ) فأكدت له إنني لم أقم بهذا الإضراب عن الطعام من اجل وظيفة ولكن من أجل رفض هدم بناية المسرح البلدي ... بعد نقاش  استمر الى حدود الرابعة زوالا قرر أن يحيلني على الشرطة القضائية التي أحالتني على المركز الرئيسي ووجدت نفسي بعد ساعة أمام ضابط لبق متفهم أكثر لما أقدمت عليه من اعتصام وإضراب عن الطعام... ورفضت التوقيع على المحضر فقام الضابط بتمزيقه وبالتالي تم استنطاقي من جديد وأنجز محضر ثاني وقبل أن أوقع طلب مني أن أوقف إضرابي عن الطعام وأتناول سندويشا جاهزا فقبلت لكن بشرط أن يحقق مطلبي وإلا فإنني سأعود للاحتجاج يوم 14 ماي وهو يوم يصادف اليوم الوطني للمسرح بل لقد عزمت على إحراق نفسي إلا أن الاستاذ خالد الجامعي منعني من ذلك ثم بعد هذا ومواصلة لمعركتي فكرت في توجيه رسالة الى فاكلاف هافيل الرئيس الراحل لجمهورية تشيكوسلافيا لانه هومن كتب نداء اليوم العالمي للمسرح في تلك السنة ... في الصباح أذكر وقعت على المحضر وأحلت على النيابة العامة بتهم الاخلال بالنظام العام وعرض منشور على أنظار العموم من شانه تحريض المواطنين على ارتكاب أحداث مخالفة للقانون ووجدت نفسي أمام الوكيل العام لمحكمة الاستئناف الذي خاطبني قائلا ( الاستاذ جواد ماذا تقصد "بالغاضب عن الوضع" ، فقلت إنني أعني بذلك الوضع الذي آلت اليه بناية المسرح بمدينتي وهي ملك جماعي فالتفت إلى نائبه وأمره أن يعيد الملف الى الشرطة القضائية بدعوى عدم الاختصاص وباختصار تمت إحالتي على قسم الامراض العقلية غير أنني حصلت على شهادة طبية تثبت صحتي النفسية والعقلية وانتهت المعركة بمتابعتي في حالة سراح واثناء المحاكمة التي جرت أطوارها يوم الخميس 31 مارس وجدت نفسي محاطا بما يقارب 20 محاميا عن الجمعية المغربية لحقوق الانسان وهيئة نقابه المحامين بالجديدة وأحزاب منظمة العمل الديموقراطي الشعبي والاتحاد الاشتراكي والاستقلال....وكان منطوق الحكم إدانتي بشهر موقوف التنفيذ وبغرامة قدرها 250درهما واستانفت الحكم وفي شهر دجنبر حصلت على البراءة

س قمت في أواخر التسعينات بتأسيس تقليد ثقافي متفرد في المغرب سميته (نادي الأسرة) ، حدثنا عن دواعي هذا التأسيس وكيف تبلورت الفكرة ؟

ج  للتوضيح ف(نادي الاسرة) هي قاعة تابعة للمسرح الوطني محمد الخامس..وعندما التحقت بهذه المؤسسة كانت تعرف أشغال كبرى تهم جل الفضاءات باسثتناء (نادي الاسرة) وقد كان التحاقي وتوظيفي بمسرح محمد الخامس بتزكية من الاستاذ خالد الجامعي...وفي يوم 3 ابريل التحقت بهذه المؤسسة ونظمت أول نشاط بنادي الاسرة يوم الجمعة 28ابريل وأنا كل حماس لتقديم إضافات نوعية للمشهد الثقافي وبتغيير نظرات الاخرين وتصحيح أحكام الناس المسبقة عن واقعة مسرح الجديدة فمنهم من رآني مناضلا ومنهم من رآني مشاغبا وبالتالي صار لزاما علي أن أحقق رهان كل من خالد الجامعي ومدير المسرح الاستاذ عزيز السغروشني الذي ساندني ومنحني فرصة تنشيط (نادي الاسرة) .. وأذكر أن أول نشاط نظمته هو حفل تقديم وتوقيع ديوان شكون "طرزالما" للزجال أحمد لمسيح بمشاركة كل من ثريا جبران وبديعة الراضي ومراد القادري وكوليغرافيا للراقصتين الاسبانية "الينا بنيديتو" والمغربية نورا الغوماري ... وقد كان الحضور كثيفا وملفتا لدرجة أن البعض لم يجدوا حتى مربعا في الأرض للوقوف ومنهم السيد مدير المسرح والذي بادر في الغد إلى استدعائي ليهنئني ويطلب مني أن أستمر في هذه التجربة الجديدة التي لقيت استحسانا من طرف الجميع وحظيت بتغطية إعلامية متميزة ....من هنا كانت بدايتي مع (نادي الأسرة) وبعد ذلك توالت توقيعات الكثير من الإصدارات في مختلف الأجناس الأدبية في الرواية والقصة القصيرة والشعر كذلك قمت بتنظيم أمسيات فنية وموسيقية ومن الأسماء الوازنة التي احتفينا بها في هذه المرحلة أذكر محمد زفزاف وعبد الجبار السحيمي وادريس الخوري وربيعة ريحان ومحمد الاشعري وخناتة بنونة ومالكة العاصمي وعبد الوهاب الرامي ومحمد بنيس وثلاتي الموصلي بقيادة الموسيقار صالح الشرقي وعبد الحميد الجماهري وعبد الكريم برشيد ومبارك ربيع ورشيد الوالي ومراد القادري وادريس المسناوي وعبد الحق الزروالي وعبد النبي كوارة ومحمد الزروالي ونجيب العوفي وادريس الملياني وحسن نجمي واللائحة طويلة...وبكل صراحة فقد أصبح (نادي الاسرة) هو المتنفس الوحيد للمثقفين والاعلاميين والمنافس الوحيد للمراكز الثقافية الاجنبية ...لكن مع تغيير مدير مسرح محمد الخامس السيد عزيز السغروشني والذي شدد في كلمته التوديعية في حفل تنصيب المدير الجديد بحضور وزير الثقافة محمد الاشعري أن مسؤولية إدارة المسرح الوطني محمد الخامس لا يجب أن تعطى لكل من هب ودب وبعد ذلك توقفت أنشطة (نادي الاسرة ) سنة 2002 عندما أقدم المدير الجديد بوضع النادي رهن إشارة إحدى خريجات المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي التي بدأت رفقة زوجها السينوغراف بتنظيم أنشطة ثقافية أقول بكل صراحة اليوم أنهما لم ينجحا في تجربتهما لكنهما فازا بالتوظيف وبالتالي أقفل النادي أبوابه وعششت فيه "العناكب" كما قدمه رشيد نيني في تحقيق لقسم الاخبار بالقناة الثانية...وخلاصة القول فالاشتغال في مجال التنشيط الثقافي يحتاج أولا للإلمام  بالادب المغربي الحديث وإعداد أجندة تضم كثيرا من عناوين الادباء والمثقفين وهواتفهم وربط الاتصالات بهم سواء في مسراتهم أوفي أحزانهم وتقديم الخدمات اليهم ...

س يحتفظ (نادي الأسرة ) بدفتر ذهبي نفيس جدا يضم العديد من توقيعات كتاب وفنانين وإعلاميين ما هو الأثر الذي يتركه في نفسك الآن وأية صورة يختزلها هذا الدفتر عن مغرب ثقافي كان على عتبة التناوب السياسي واستوزار الشاعر والسياسي محمد الأشعري ؟

ج للاسف لم يكن الدفتر الذهبي في البدايات الاولى لانشطة (نادي الاسرة) لكن عموما ما أزال أحتفظ في مفكرتي يكثير من عبارات التقدير والثناء على الخدمة التي كنت أقدمها للمشهد الثقافي والأدبي بالمغرب .. أما بخصوص التناوب السياسي الذي ذكرت وكما قال بعض النقاد أنه انطلق من (نادي الاسرة) بحكم أن جل الاسماء التي احتفينا بها كانت من المعارضة آنذاك لدرجة أن قسم الشؤون العامة لولاية الرباط راسلوا مدير المسرح بان يوقف أنشطة النادي بدعوى أن ضيوف النادي دأبوا على انتقاد سياسة الحكومة فكان جوابه (حتى الملك ينتقذ الحكومة...) أما بخصوص استوزار الاستاذ محمد الاشعري في حكومة التناوب الأولى كوزير للثقافة فقد استبشر الجميع خيرا خصوصا أحمد جواد لأن الوزير كان قد وقع روايته الاولى "جنوب الروح" وأذكر أنه قال لي يومها بأن جميع مشاكلي الادارية خصوصا ما تعلق بترسيمي في الوظيفة لانني كنت حينها مجرد موظف مياوم ، لكن ما حصل هو العكس مع الأسف مما دفعني الى كتابة رسالة إلى وزير الثقافة ضمنتها تهديدا صريحا بإحراق نفسي إذا لم تسو وضعيتي الإدارية وأخيرا أخيرا تمت تلبية طلبي وسويت وضعيتي لكن مع خصم تسع سنوات من أقدميتي في الخدمة إذ تم احتساب سنة ترسيمي بداية من 2004 وليس من 1995 .

س هل تغير فعلا تعاطي الدولة ممثلة في وزارة الثقافة بعد حكومة التناوب مع نادي الأسرة خصوصا بعد مجيء محمد الأشعري وثريا جبران ؟

ج في عهد الاشعري أقفل (نادي الاسرة) أبوابه ولم يقدموا أي بديل له للإستمرار في خدمة المشهد الثقافي المغربي بل بقيت وحدها المراكز الثقافية الاجنبية هي التي تنشط خدمة لثقافتها...أما في عهد السيدة ثريا جبران فقد تحول النادي الى مقهى لكنها في المقابل اهتمت بانشغالاتي الثقافية وأعتقد لولا مرضها لكان وضعي أحسن حالا مما هو عليه الآن وبهذه المناسبة أقدم لها الكثير من الشكر والامتنان .

س جل المثقفين والأدباء المغاربة يسجلون أسوء فترة في وزارة الثقافة مع قدوم الفيلسوف والروائي بنسالم حميش إلى حد نزولهم إلى الشارع للإحتجاج على سياسية لغة الخشب التي اعتمدها ، ما رأيك؟

ج للحقيقة الناس لم يخرجوا للشارع من أجل الثقافة والفن ولكن خرجوا من أجل المال بدليل أنه ليست هناك جهة أو مؤسسة ثقافية قدمت برنامجا أو مشروعا ثقافيا أو فنيا...ثم لماذا (ضربوها بسكتة) الآن علما أن الوزير الحالي أقولها بكل صراحة أسوء وزير عرفته وزارة الثقافة في تاريخ المغرب..

س بعد تجربة نادي الأسرة دخلت في تجربة أخرى متميزة سميتها (البهو) في فضاء معلمة مسرح محمد الخامس . كيف انبثقت هذه الفكرة ؟

ج أولا لابد من الوقوف عند أسباب إحداث أنشطة (البهو) لأنه جاء في سياق معارك خضتها لتحقيقه فقد وجهت رسالة للسيد بنسالم حميش وزير الثقافة الأسبق كان موضوعها إحياء فكرة (نادي الاسرة) وقلت له هل : بلادنا في حاجة إلى فضاءات ثقافية أم إلى مقاهي إضافية ؟ وذكرته بما خطته يده في دفتر(نادي الاسرة) قبل الاستوزار...لكنه تجاهل رسالتي فما كان علي إلا أن قمت باعتصام ودخلت في اضراب عن الطعام امام (نادي الاسرة) الذي حولوه الى مقهى وقد كان حدثا هاما جدا لانه جاء في شهر يناير 2011 في سياق الربيع العربي ونزول حركة  20 فبراير وتحركت كما هي العادة جميع الأجهزة الأمنية والمخابراتية .. وكتبت شعارات نارية واستمر الوضع حتى حدود الساعة 4 عشية ليتم التفاوض مع مدير المسرح الوطني تم بموجبه إحياء الانشطة الثقافية في (البهو) بدل المقهى . أما بخصوص المقارنة مابين (نادي الاسرة) و(البهو) فالبهو شاسع من حيث المساحة أما أنشطة (نادي الاسرة) فقد كانت متنوعة شكلا ومضمونا تحتفي بكتاب مغاربة وعربا ...فيما انشطة البهو تقتصر على الاصدارات الادبية  . ومن المتناقضات أن وزير الثقافة الحالي ينتمي لحزب رمزه الكتاب غير أنه لا يهتم بانشطتنا وكمثال ذلك أننا في اليوم العالمي للكتاب كرمنا واحتفينا بالاديب الاستاذ الامين الخمليشي مع توقيع مجموعته القصصية "عربة مدام بوفاري" ولم يرسل السيد الوزير ولو باقة ورد للمحتفى به عن طريق أحد مستشاريه الكثر علما أنهم أقصوه من المعرض الدولي للنشر والكتاب .

س كيف تتم برمجة أنشطة (البهو) وهل هناك شراكة مع مؤسسة ما أو جهة سياسية ما ؟

ج ليس هناك شراكة مع أية جهة لكننا في المقابل نلبي طلبات بعض الجمعيات التي ترغب في الاستفادة من فضاء (البهو) كفرع الرباط لاتحاد كتاب المغرب...أما في ما يخص البرمجة فهي تتم من خلال ما نتوصل به من كتب ومؤلفات وليس من طرف دور النشر ولعلمكم فالمسرح الوطني محمد الخامس يشتمل على كثير من الفضاءات من اجل ذلك وهناك لجنة البرمجة التي يرأسها مدير المسرح .

س لو أردنا أن نقارن بين نادي الأسرة والبهو كيف ينظر أحمد جواد إلى التجربتين معا ؟

ج لايمكن المقارنة لأن تجربة نادي الأسرة جاءت في سياق ظرف هو غير الظرف الحالي ، ثم الأهم في هذه التجربة هو كون المدير السابق للمسرح الوطني عزيز السغروشني كان يراهن على تجربة (نادي الأسرة) فيما أن المدير الذي تقلد المسؤولية من بعده عرف بكرهه ومعاداته للأدباء والمثقفين وخصوصا الذين يكتبون بالعربية... أما من حيث الكم فتجربة (نادي الاسرة) كانت تعرف ما يقارب 10 أنشطة في الشهر موزعة ما بين توقيعات الكتب والأمسيات الشعرية والموسيقية واللقاءات المفتوحة والمسامرات الادبية والفنية...فيما أن تجربة (البهو) بالكاد تصل الى 4 أنشطة في الشهر تتعلق بالتوقيعات والأهم في التجربتين معا هو أن هناك جمهور نوعي يحضر ويهتم بهذه الانشطة عكس ما يشاع في أن الانشطة الثقافية لم يعد لها جمهور بدليل أن موسم 2012 _2013 بيع ما يقارب 1500 كتاب مغربي ...

س الأستاذ أحمد جواد مسرحي وزجال وشاعر وعموما فنان هل يمكن لمواطن في المغرب أن يقتات على الفن ؟

ج لست زجالا ولا مسرحيا ولا فنانا واذا ما اطلعت على مجلة المسرح وملصقات ودعوات الانشطة تجد دائما أنها من اعداد وتقديم أحمد جواد لأن الفن بالنسبة إلي هم وممارسة وانا امارسه من خلال اشتغالي داخل هذه المؤسسة العريقة التي هي المسرح الوطني محمد الخامس ثم من خلال أعمالي التي تشهد لي بذلك...بطبيعة الحال إذا كان هناك فنان لم يستطع أن يوفر قوته اليومي من الفن فما عليه الا ان يمارس مهنة اخرى .

11 ــ أقدمت وزارة الثقافة الحالية على تعيين لجنة مكلفة بالبث في بطاقة الفنان والكثير من الفنانين عبروا عن تحفظاتهم من هذه اللجنة ما رأي الفنان أحمد جواد ؟

ج شخصيا لست متحفظا من اللجنة ولكنني متحفظ من بطاقة الفنان في حد ذاتها لسبب بسيط هو أن هذه البطاقة لا قيمة لها وبالمناسبة دعني أحكي لك ما وقع مع أول من تسلم هذه البطاقة وهو الفنان الطيب الصديقي فقد قال جلالة الملك للطيب الصديقي (واش انت محتاج للبطاقة الفنان) فأجابه : (من يد جلالتكم احتاجها..) علما أن بطاقة الفنان تمنح لمن يطلبها عن طريق طلب موجه لوزير الثقافة وملف يتضن العديد من الوثائق .

س نعود إلى أبي الفنون (المسرح) ونحن نجري هذا الحوار تعيش مدينة مكناس مهرجانها المسرحي الوطني الخامس عشر، كيف تنظر إلى هذه التجربة التي إستطاعت أن تترسخ كتقليد ثقافي فني وطني ناجح بامتياز؟

ج ياسيدي هذا مهرجان فاشل بدليل قيمة جوائزه...لقد كانت المهرجانات الوطنية لمسرح الهواة أرقى بكثير من مهرجانات المحترفين بالمتابعة الاعلامية وبالنقد والنقاش العميق بالبيانات وبالتنظير.. هل تعلم أن قيمة الجائزة الكبرى لمهرجان الهواة والتي حصلت عليها إحدى الفرق من فاس سنة 1968 كانت ستة الاف درهم ؟ إسأل المسرحي عبد الحق الزروالي الذي قال يوما كان بامكاننا وقتئذ أن نشتري منزلا بفاس بقيمة الجائزة ..أليس هذا تراجعا وتخلفا واضحا ...؟

س : وماهو جديد المسرحي أحمد جواد ؟

ج الجديد هو أنني بصدد الاشتغال على عمل للأستاذ سعد الله عبد المجيد...وفي نفس الوقت مازلت أقدم مسرحية مدعمة من طرف المجلس الاستشاري لحقوق الانسان عرضناها يوم 18 ماي بمدينة اكادير تكريما للمناضل والشاعر صلاح الوديع...وقدمنا يوم 9 يونيوه بمركب الحرية بفاس عرضا مسرحيا بعنوان (هو) تكريما للمناضل عبد الحميد البجوقي وهي مسرحية مقتبسة من ديوان (كناش لمعاش) للزجال إدريس المسناوي دراماتورجيا واخراج احمد جواد وسينوغرافيا محمد الشريفي وموسيقى والحان وغناء عبد الصمد مفتاح الخير وادارة الانتاج لمصطفى ضريف أما ادارة الخشبة فقام بها محمد الدغمي والملابس لنورا الصيب المحافظة العامة خالد الادريسي تشحيص علية جبور ادريس المسناوي واحمد جواد.....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

توفي اليوم الأحد 2 أبريل 2023 ، الفنان المسرحي أحمد جواد، بمستشفى بن سينا بالرباط، بعد قرابة أسبوع من نقله للمستشفى بسبب حروق أصيب بها.
وكان الفنان السابق في مسرح محمد الخامس بالرباط، قد أقدم على إضرام النار في جسده صباح يوم الإثنين 27 مارس الماضي؛ أمام مبنى وزارة الثقافة بالرباط، بسبب خلاف بينه وبين الوزارة بشأن شراء عروض مسرحية.
وكان وزير الثقافة والشباب والتواصل؛ مهدي بنسعيد؛ عبر عن تأسفه لمعاناة الفنان الراحل، وأكد أن الأسباب التي دفعته للقيام بمحاولة الانتحار تعود إلى مجموعة من المشكلات التي كان يعاني منها الفنان.
ويتابع مصالح وزارة الثقافة الوضع الصحي للفنان المسرحي منذ سنتين، حيث تم تقديم الدعم له من الحكومة الحالية. وبهذا الحادث الأليم، تفقد المجتمع الفني في المغرب أحد أبرز نجوم المسرح والفنانين المخضرمين.

 

 

 

 

0 التعليقات: