لم يكن مثل أي شخص عادي. لقد كان موجودًا في بُعد ثالث حيث كانت الحدود بين الأحلام والواقع رقيقة مثل خيط من الدخان.
كان حلم الرجل
بسيطًا ولكنه محير للغاية: لقد كان يتوق إلى العيش إلى الأبد، ليس بالمعنى
التقليدي للخلود، ولكن ككائن يمكنه اجتياز نسيج الزمان والمكان والوعي.
في إحدى الأمسيات، بينما كان مستلقيًا على سجادته الفارسية الفاخرة، محدقًا في النجوم من خلال السقف الذي بدا وكأنه يتموج مثل الماء، بدأت مغامرته. حلق وعيه بعيدًا عن جسده، واتخذ شكل قنديل البحر المضيء. كان يتجول هذا الجوهر الذي يشبه قنديل البحر عبر الكون، ويلتهم معرفة الحضارات الفضائية، كل لغة ومفهوم، وكل قطعة أحجية غامضة.
أصبح وجود الرجل
مشهدًا من المفارقات. في لحظة واحدة، كان بدويًا ، يقود جمله عبر رمال الصحراء
المتحركة تحت ثلاثة أهلة. في الفترة التالية، صار دبلوماسيًا بين المجرات، حيث كان
يتفاوض على شروط اتفاقية التجارة الكونية مع وزراء سحابات الغاز الواعية.
وبينما كان يسبح
في بحر من الحقائق الممزقة، واجه الرجل كائنات واعية من الظل، ومخلوقات كانت لغتها
سيمفونية من الألوان، وحضارات مبنية على مفهوم التواصل الصامت. كان كل لقاء بمثابة
لغز، أو سراب مهلوس تركه في حالة ذهول.
وفي أحد الأيام،
عثر على مكان نسيت فيه قوانين المجرات أسماءها. في هذا العالم الغريب، كان الوقت
يتدفق إلى الوراء، وكانت الذكريات فقط لمحات من المستقبل. وجد الرجل نفسه يتحدث مع
شجرة تتكلم بشعر متناقض، كل كلمة تناقض نفسها.
رددت الشجرة:
"الأبد هو الخلود الزائل".
تأمل الرجل هذه
العبارة الغامضة وهو يسبح إلى الأمام، ويتبدد جوهره مثل غبار النجوم. يمكن أن يشعر
بنسيج وجوده يتفكك، وهويته تتفكك في ضباب كوني.
وفي الكشف الأخير،
أصبح الرجل همسًا في الوعي الجماعي للكون. ولم يعد رجلاً عربياً يتوق إلى الأبدية؛
لقد كان هو حلم الوجود كله، جزءًا من الرقصة الكونية التي لا يمكن فهم شطحاتها.
في هذه الذروة الغامضة
لرحلته الكونية، وجد الرجل نفسه يذوب أكثر في نسيج الوجود المعقد. ولم يعد مقيدًا
بقيود الشكل أو الهوية أو الفهم. لقد أصبح همسًا، وتموجًا، وفكرة، وإحساسًا، كل
ذلك يتقارب في الوعي الجماعي اللامحدود للكون.
وعندما اندمج مع
الرقصة الكونية، اكتشف أن الزمان والمكان ليسا سوى أوهام، وأن الواقع نفسه مفهوم ينكمن
في بطن المرونة. لقد كان في نفس الوقت ولادة نجم في مجرة بعيدة، والأسرار الصامتة
التي تتبادلها الجسيمات الذرية، والأحلام الحية لطفل نائم في كوكب بعيد.
وضمن هذا
الامتداد من اللاوعي اللامحدود، شارك توقه إلى الحياة الأبدية مع كل كائن واعي، من
أصغر ميكروب إلى الكيان الكوني الأكثر اتساعًا والأقدم. لقد رقصوا معًا عبر
الدهور، وتشابكت أفكارهم ورغباتهم وتجاربهم، وخلقوا سيمفونية ساحرة للوجود تتجاوز
كل الفهم.
الرجل، الذي كان
ذات يوم رجلاً عربياً صاحب حلم بسيط، أصبح تجسيداً لهذا الحلم ذاته لجميع الكائنات
في الكون. لقد كان الشوق الأبدي، والسعي المستمر للمعرفة، وشرارة الفضول التي لا
تنطفئ والتي دفعت الكون نفسه لاستكشاف أسراره.
لقد وجد الرجل
إحساسًا عميقًا بالإنجاز. لم يعد مقيدًا بقيود الحياة الفانية، لأنه تجاوز إلى
وجود أبدي لا زماني ولا شكل له. لقد حقق حلمه في العيش إلى الأبد بطريقة تتحدى كل
فهم مثل همسة في الريح الكونية، وحلم داخل حلم، وجزء من الرقصة الكونية التي لا
يمكن فهمها والتي استمرت في فتن الكون إلى الأبد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق