الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، سبتمبر 30، 2023

نص سردي "ثقوب في سقف الليل" :عبده حقي


عندما كان الكون مجرد مرجل يحوم من القوى الكونية والفوضى البدائية، كانت النجوم مجرد بقع في سماء الليل المضطربة. كان الكون نفسه وحشًا جامحًا، مساحة شاسعة من الظلام تتخللها نقاط الضوء الصغيرة هذه. لقد كان مكانًا تتشابك فيه الكينونات، حيث تتلاشى الحدود بين الملموس والمجرد مثل خيوط الدخان المنبعثة من نار أسطورية قديمة.

في قلب هذه الدوامة الكونية، كان هناك عالم لم تمسه قوانين الفيزياء كما نعرفها. هنا، كان الواقع عبارة عن لوحة رسم عليها الآلهة أنفسهم رغباتهم وأهوائهم. لقد كان عالمًا من الاحتمالات اللانهائية، حيث تتجلى الأفكار والعواطف ككيانات حية وملموسة، وحيث لم يكن لحدود الزمان والمكان أي تأثير.

في وسط هذا العالم توقفت العلاقة السماوية، وهي بنية غامضة تتحدى الوصف. لقد كانت نقطة التقاء لكل ما كان وكل ما يمكن أن يكون، رابطة تجمع فيها النجوم أنفسهم لمشاركة حكاياها مع الرحل الكونيين الذين تجرأوا على السير في ممراتها الأثيرية.

في وسط هذا العالم السريالي، كان هناك كائن ، متجول بين العالمين المادي والميتافيزيقي. امتلك قدرة فريدة على الإبحار في يم النجوم المضطرب، والرقص بينها كما لو كانت مجرد يراعات في الليل. كانت عيناه بوابات إلى اللانهائي، نوافذ إلى قلب الكون.

في إحدى الليالي المصيرية، بينما كان يحدق في النجوم من بوابة الرابطة السماوية، رأى رؤية هزته حتى النخاع. نجم، نقطة صغيرة في نسيج الكون الواسع، أشرق بتألق لا مثيل له. كانت تنبض بطاقة إيقاعية، نبض قلب يتردد صداها في نسيج الواقع ذاته.

وبدافع الفضول الذي لا يشبع، شرع في سعيه للعثور على هذا النجم، لكشف الألغاز التي يحملها. لقد اجتاز المناظر الطبيعية السريالية في عالمه، حيث التقى بكائنات ذات أفكار وعاطفة نقية، وتحدث مع كيانات كونية تهمس بأسرار الوجود. مع كل خطوة، كان يشعر بالكون يتحول وينحني حوله، كما لو كان كائنًا حيًا يتنفس.

ومع اقترابه من هدفه البعيد المنال، أصبح الخط الفاصل بين الواقع والخيال رقيقًا بشكل متزايد. وجد نفسه ضائعًا في مشهد من الألوان، محاطًا بأشكال سريعة الزوال تتحدى العقل. لقد سافر عبر عوالم حيث يتدفق الزمن إلى الوراء، حيث لا يمكن تمييز الماضي والحاضر والمستقبل، وحيث تغني النجوم نفسها أغاني الخلق والدمار.

أخيرًا، بعد ما بدا وكأنه أبدية، وصل إلى النجم الذي استحوذ على خياله. لم يكن شيئًا ماديًا، بل مدخلًا إلى عالم آخر، بوابة إلى جوهر الوجود. وعندما لمسه، أصبح جسدا واحدًا مع النجم، واندمج وعيه مع طاقته المشعة.

في تلك اللحظة، فهم الطبيعة الحقيقية للنجوم في سماء الليل المضطربة. لم تكن مجرد نقاط صغيرة، بل كانت بوابات لاحتمالات لا حصر لها، ونوافذ لعوالم تتجاوز الخيال. كان الكون نفسه عبارة عن لوحة قماشية، وكان كل نجم بمثابة ضربة فرشاة للخلق، وشهادة على الإبداع اللامحدود.

بهذه المعرفة الفلسفية المكتشفة حديثًا، عاد إلى العلاقة السماوية، وقلبه مشتعل بحكمة النجوم. لقد أصبح منارة للضوء في الظلام الكوني، وحارسًا للعوالم الأثيرية، وراويًا للنجوم. وعندما نظر إلى السماء ليلاً، لم ير بقعًا، بل حكايات لعوالم لا حصر لها تنتظر اكتشافها، وهي شهادة على الرقصة الأبدية للخلق والدمار التي كانت جوهر الكون.

0 التعليقات: