الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، أكتوبر 05، 2023

قصة قصيرة "حياة أخرى" عبده حقي

 


تحول متجر الحلويات المحلي إلى متاهة حقيقية من الأضواء المتلألئة. كان التوهج الناعم للمصابيح في النافذة، مثل النجوم المتساقطة، توهج يتراقص على الرصيف الضيق، مما يخلق مشهدًا من الألوان والسطوع الذي لا يمكن أن يترك أي شخص غير مبال. وفي وسط هذا المشهد المضيء وقف رجل وقد انبهرت عيناه بكثرة المواد المعروضة أمامه.

كان من الصعب تصديق أن هذا المتجر المتواضع قد تحول إلى مكان غريب وسريالي. كانت الرفوف مليئة بالأشياء الغامضة، والحلي من جميع الأنواع، والتحف التي لا يمكن الحصول عليها من البلد ، وحتى الفضول الذي بدا وكأنه يأتي من عالم آخر. قلادات على شكل مفاتيح، وصناديق موسيقى تعزف ألحاناً مجهولة، وساعات عقاربها انقلبت ضد التيار الوقتي.

كان الرجل غارقًا في دوخة من الإغراء. انحنى ليلقي نظرة فاحصة على مرآة مؤطرة بريش الطاووس لكن تم امتصاصه فجأة إلى الداخل، ليجد نفسه في غابة مسحورة حيث تهمس الأشجار بالأسرار والقصص الخرافية .

لمس الرجل كرة بلورية وتم تطويحه إلى صحراء ذات رمال ذهبية، تحت سماء مزدحمة بالنجوم المتلألئة. يبدو أن كل واحدة منها هي بمثابة بوابة إلى عالم مختلف.

وسرعان ما وجد نفسه يتحدث مع قطة ناطقة ذات عيون ماسية وفروة بيضاء أريستوقراطية ، تحكي له قصصًا عن الممالك المنسية والكنوز المخفية. وفي الركن الآخر تبادل الألغاز مع بومة ذات ريش مخملي، قبل أن يجد نفسه أمام درج لا نهاية له يقوده إلى عالم من أحلام اليقظة.

ومرت الساعات كالدقائق الهاربة ، وغرق الرجل أكثر فأكثر في هذه الفوضى الغريبة. واجه خلالها شخصيات غريبة الأطوار ومخلوقات خيالية ورؤى تتحدى واقعه. بدا أن الخط الفاصل بين الحلم والحقيقة بات غير واضح، ولم يعد يعرف ما إذا كان قد غادر متجر الأشياء الصغيرة أم لا.

وأخيرا، وجد نفسه مرة أخرى على الرصيف الضيق، وقد أضاء وجهه بابتسامة جميلة. لا تزال الأضواء متوهجة، لكنها بدت أقل غموضًا الآن. كان يعلم أنه قد خاض مغامرة غير عادية، رحلة ملحمية عبر أبعد زايا مخيلته.

خرج من المتجر وهو يتساءل عما إذا كان كل هذا مجرد حلمً أم حقيقة. ولكن كان هناك شيء واحد مؤكد: لقد اكتشف أن السحر يمكن أن يكون مخفيًا في أكثر الأماكن غير المتوقعة، حتى في قطعة فنية أثرية صغيرة. والآن، في كل مرة يمر فيها بهذا المتجر، لا يستطيع إلا أن يبتسم، ويتساءل عن العجائب التي تنتظره في الداخل.

كان يسير في الشارع الضيق، غارقًا في أفكاره، لكنه غير قادر على محو الصور والأحاسيس المذهلة التي عاشها ذهنه في متجر الهدايا الصغيرة. مرت الأسابيع، لكن هوسه بهذا المكان الغريب والخرافي ازداد كثيرا. قرر أخيرًا العودة إلى المتجر الغامض لاستكشاف أسراره بشكل أكبر.

وعندما فتح الباب ، استقبلته الأضواء المتلألئة والأشياء الغامضة وكأنه لم يغادرها أبدًا. هذه المرة، كان مستعدًا لعيش هذه التجربة الاستثنائية بشكل غير مسبوق. لقد تعلم أن كل عنصر لديه القدرة على نقله إلى عالم مختلف، وكان مستعدًا لاكتشاف المزيد.

اختار قلادة على شكل هلال، وبعد لحظة من التردد، وضعها حول رقبته. وجد نفسه على الفور منغمسًا في مدينة مستقبلية، تطفو فوق السحاب. وانطلقت سيارات طائرة في السماء، وملأت الشوارع صور ثلاثية الأبعاد مبهرة جدا . لقد كان ما يشاهده مستقبلًا لم يتخيله أبدًا، ومع ذلك بدا وكأنه في منزله.

سافر من عالم إلى آخر، مستكشفًا التضاريس الخيالية والعصور الغابرة والأبعاد الموازية. التقى بكائنات غير عادية، وربط صداقات مع مخلوقات أسطورية، وحل ألغازًا تتحدى المنطق. كل تجربة جديدة قد غيرته ووسعت مداركه وقلبه.

وبعد شهور من الاستكشاف، قرر إنهاء مغامراته والعودة إلى عالمه الحقيقي. كان يعلم أنه لا يستطيع قضاء حياته في السفر عبر حقائق بديلة، على الرغم من إغراء ذلك. أزال قلادة الهلال من عنقه، واستقر العالم من حوله. لقد عاد مرة أخرى إلى متجر الهدايا الصغيرة، لكن هذه المرة لم يعد منبهرًا بالأضواء. لقد وجد ما كان يبحث عنه.

وعندما غادر المتجر، علم أنه كان يأخذ معه ذكريات مذهلة عن مغامراته. لكنه اكتشف صدفة أيضًا أن السحر لا يقتصر على الأشياء والعوالم الخيالية. السحر الحقيقي يكمن بداخله، في قدرته على الحلم والتخيل والاستكشاف. لقد عرف الآن أن العالم مليء بالأسرار التي يجب اكتشافها، حتى في أكثر الأماكن العادية.

كان يسير في الشارع والابتسامة تهيل على وجهه، وهو يعلم أنه قد عاش حياة غير عادية، مليئة بالمغامرات التي لا تنسى. وفي كل مرة كان يمر فيها بمتجر محلي، كان يتذكر هذه الفترة السحرية من حياته والرحلة المذهلة التي قام بها. لأنه كان يعلم أن المغامرة الحقيقية لا تكمن دائمًا وراء الأفق، ولكنها يمكن أن تنشأ من أي مكان وفي أي وقت لأولئك الذين يجرؤون على الحلم.

0 التعليقات: