الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، يوليو 18، 2024

العودة إلى أول خريطة أثرية في المغرب: عبده حقي


لقد كان المغرب، البلد الذي يتمتع بنسيج تاريخي غني، منذ فترة طويلة نقطة محورية لعلماء الآثار. فمن مدينة وليلي الرومانية القديمة إلى طرق التجارة الصاخبة في العصور الوسطى في مراكش، تعد الثروة الأثرية في البلاد عميقة. ومع ذلك، كانت عملية التوثيق والحفظ المنهجي لهذه الكنوز مجزأة حتى ظهور أول خريطة أثرية للمغرب.

تمتد المواقع الأثرية في المغرب إلى عصور متعددة، بما في ذلك عصور ما قبل التاريخ، والفينيقية، والرومانية، والإسلامية، والاستعمارية. وعلى الرغم من هذا التنوع، لم يكن هناك كتالوج شامل لهذه المواقع. وكانت هناك سجلات مجزأة، لكنها كانت في كثير من الأحيان قديمة وغير مكتملة.

لقد شكل التوسع الحضري والزراعي السريع في المغرب تهديدات خطيرة لمواقعه الأثرية. وفي غياب نظام توثيق موحد، أصبحت العديد من المواقع معرضة لخطر التلف أو الضياع. بالإضافة إلى ذلك، أدت أعمال الحفر والنهب غير القانونية إلى زيادة تعريض هذه الأصول الثقافية للخطر.

تم اقتراح فكرة إنشاء خريطة أثرية لأول مرة من قبل تحالف من علماء الآثار المغاربة والخبراء الدوليين في عام 2000. وكان هدفهم إنشاء خريطة مفصلة وتفاعلية يمكن استخدامها من قبل الباحثين وصناع السياسات وعامة الناس.

كان تأمين التمويل عقبة كبيرة. وقد تلقى المشروع دعمًا ماليًا من وزارة الثقافة المغربية، واليونسكو، والعديد من مؤسسات البحث الأوروبية. وكان هذا التعاون حاسمًا في تجميع الموارد والخبرات.

اشتمل المشروع على عمل ميداني مكثف، حيث أجرت فرق من علماء الآثار مسوحات في مختلف أنحاء المغرب، باستخدام تقنيات متقدمة مثل صور الأقمار الصناعية ونظم المعلومات الجغرافية والتصوير بالطائرات بدون طيار. وقد وثقوا المواقع الدقيقة وأبعاد وظروف آلاف المواقع الأثرية.

تم تطوير قاعدة بيانات شاملة لتخزين البيانات المجمعة. وتضمنت هذه القاعدة البيانات الوصفية التفصيلية والأهمية التاريخية والسجلات الفوتوغرافية وحالة الحفاظ على كل موقع. وقد تم تصميمها لتكون سهلة الاستخدام ويمكن الوصول إليها من قبل المحترفين والجمهور.

وقد تم استخدام البيانات بعد ذلك لإنشاء خريطة أثرية رقمية تفاعلية. وقد تمكن المستخدمون من استكشاف مناطق مختلفة من المغرب، وعرض معلومات مفصلة حول مواقع محددة، بل وحتى الوصول إلى جولات افتراضية لبعض المواقع. وقد تم توفير الخريطة عبر الإنترنت، مما يضمن إمكانية الوصول إليها على نطاق واسع.

تغطي الخريطة أكثر من 5000 موقع أثري، بدءًا من المعالم المعروفة إلى المواقع الأقل شهرة. وتضمن هذه التغطية الشاملة توثيق حتى أكثر المواقع بعدًا وغموضًا.

تعتبر الخريطة أداة تعليمية، حيث تقدم معلومات قيمة للطلاب والباحثين وعامة الناس. وهي تتضمن ميزات تفاعلية مثل الخطوط الزمنية والطبقات الموضوعية (مثل المواقع الرومانية والعمارة الإسلامية) ومحتوى الوسائط المتعددة.

بالنسبة لصناع السياسات والمهتمين بالحفاظ على البيئة، تعد الخريطة موردًا لا يقدر بثمن. فهي تسلط الضوء على المواقع المعرضة للخطر، مما يسمح بجهود الحفاظ المستهدفة. كما تساعد في التخطيط الحضري، مما يضمن عدم تعدي مشاريع التنمية على المناطق الأثرية المهمة.

منذ إطلاقها، لعبت الخريطة الأثرية دورا محوريا في الحفاظ على التراث المغربي، حيث تم حماية العديد من المواقع من التطوير، وتم ترميم العديد من المواقع المهددة بالانقراض.

لقد سهلت الخريطة العديد من مشاريع البحث. وقد استخدمها علماء من مختلف أنحاء العالم لإجراء دراسات حول تاريخ المغرب القديم، مما ساهم في فهم أعمق للتطور الثقافي في المنطقة.

كما عمل المشروع على إشراك المجتمعات المحلية، ورفع الوعي بأهمية الحفاظ على التراث. وتم تنظيم برامج وورش عمل تعليمية بالتعاون مع المدارس والمؤسسات الثقافية المحلية.

نظرة عامة على الإحصائيات

عدد المواقع الموثقة

المواقع ما قبل التاريخ: 1200

المواقع الفينيقية: 450

المواقع الرومانية: 600

المواقع الإسلامية: 2200

المواقع التي تعود إلى الفترة الاستعمارية: 550

حالة الحفظ

محفوظ جيدًا: 1800 موقعًا (36%)

المحفوظة جزئيًا: 2300 موقعًا (46%)

مهددة بالانقراض: 900 موقع (18%)

ورغم نجاح الخريطة، لا تزال المواقع الأثرية في المغرب تواجه تهديدات بسبب التوسع الحضري وتغير المناخ والنهب. ولابد من بذل جهود متواصلة لتحديث الخريطة وضمان حماية هذه المواقع.

ستتضمن التحديثات المستقبلية للخريطة تقنيات جديدة مثل المسح ثلاثي الأبعاد والواقع الافتراضي. وستوفر هذه التطورات تجارب أكثر تفصيلاً وتفاعلاً للمستخدمين.

ومن المقرر توسيع الخريطة لتشمل المواقع الأثرية المغمورة بالمياه على طول الساحل المغربي، وهو ما من شأنه أن يثري عملية توثيق التراث المغربي.

لقد كان إنشاء أول خريطة أثرية في المغرب إنجازًا هائلاً في مجال الحفاظ على التراث. فقد وفرت مصدرًا شاملاً وسهل الوصول إليه لتوثيق وحماية ودراسة الثروة الأثرية في البلاد. ومع استمرار المغرب في التطور، ستظل هذه الخريطة أداة حاسمة في حماية تراثه الثقافي للأجيال القادمة.

0 التعليقات: