الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، يوليو 21، 2024

أبعاد ودلالات انتخاب المغرب عضوا في المجلس الاستشاري الإفريقي لمكافحة الفساد: عبده حقي


لقد أحرز المغرب تقدماً كبيراً في مكافحة الفساد وتعزيز هياكل الحوكمة في السنوات الأخيرة. ويشكل انتخاب السيدة نادية عنوز لعضوية المجلس الاستشاري لمكافحة الفساد التابع للاتحاد الأفريقي شهادة دامغة على هذه الجهود. ولا يشير هذا التعيين إلى الاعتراف بمعركة المغرب المستمرة ضد الفساد فحسب، بل يسلط الضوء أيضاً على التزام البلاد بدعم مبادئ النزاهة والجدارة كعناصر أساسية للحكم الديمقراطي.

لطالما كان الفساد يشكل تحديًا لتطور المغرب والدول الإفريقية ، حيث أثر على قطاعات مختلفة وقوض ثقة المجتمعات. تاريخيًا، عانت البلاد من الفساد المستشري الذي أعاق النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية حيث أصبحت الحاجة إلى تدابير قوية لمكافحته واضحة بشكل متزايد مع سعي المغرب إلى تعزيز مؤسساته الديمقراطية واستقراره الاقتصادي.

لقد نفذ المغرب إصلاحات قانونية شاملة لمعالجة الفساد. وكان اعتماد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في عام 2015 بمثابة إنجاز مهم للغاية ، حيث حدد أهدافًا واضحة وخطط عمل للحد من الفساد. وتشمل الإصلاحات القانونية الرئيسية حماية المبلغين عن المخالفات، وفرض عقوبات أكثر صرامة على الممارسات الفاسدة، وتعزيز الشفافية في عمليات الصفقات العامة. وتهدف هذه التدابير إلى إنشاء إطار حوكمة أكثر مساءلة وشفافية.

من جانبها لعبت منظمات المجتمع المدني دوراً حاسماً في جهود مكافحة الفساد في المغرب. ولقد لعبت هذه المنظمات دوراً فعالاً في رفع مستوى الوعي، والدعوة إلى تغيير السياسات البائدة، ومراقبة تصرفات الحكومة. على سبيل المثال، كانت منظمة "ترانسبرانسي المغرب" في طليعة المناضلين لتعزيز الشفافية والمساءلة، حيث قدمت اقتراحات وتوصيات قيمة للجهات السياسية المعنية.

إن المشاركة العامة أمر حيوي في مكافحة الفساد. وقد شهد المغرب مشاركة متزايدة من جانب المواطنين في الإبلاغ عن حالات الفساد والمطالبة بمحاسبة المسؤولين العموميين. وقد سهلت مبادرات مثل اللجنة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها مشاركة عامة أكبر، مما ضمن أن تكون تدابير مكافحة الفساد أكثر شمولاً وفعالية.

إن انتخاب السيدة نادية عنوز لعضوية اللجنة التنفيذية للاتحاد الأفريقي لمكافحة الفساد له أهمية كبيرة لعدة أسباب. أولاً، يؤكد هذا على التقدم الذي أحرزه المغرب في مكافحة الفساد وفعالية تدابيره في هذا الصدد . ثانياً، يسلط الضوء على التزام البلاد بالتعاون الإقليمي والدولي في معالجة الفساد. إن تعيين السيدة نادية عنوز هو اعتراف بقيادة المغرب في تعزيز النزاهة والجدارة كمكونات أساسية للحكم الديمقراطي.

لقد أثمرت جهود المغرب في مكافحة الفساد عن إنجازات ملحوظة. فقد أدى تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد إلى زيادة الشفافية في السياسات الحكومية، وتحسين أجواء الثقة في المجتمع، والتحسيس بوجوب خضوع القطاع العمومي للمساءلة القانونية . كما تم محاكمة قضايا فساد بارزة، الأمر الذي يبعث برسالة قوية مفادها أن الفساد لن يتم التسامح معه.

إن الاعتراف الدولي بجهود المغرب في مكافحة الفساد واضح من خلال العديد من الجوائز والشراكات. وقد اعترفت منظمات مثل الأمم المتحدة ومنظمة الشفافية الدولية بالتزام البلاد بدعم المعايير الدولية لمكافحة الفساد. وتعمل هذه الاعترافات كشهادة على تقدم المغرب وتعزز مكانته كقائد في مكافحة الفساد في أفريقيا.

إن النزاهة تشكل حجر الزاوية للحكم الديمقراطي. فهي تضمن أن يعمل المسؤولون العموميون بما يخدم مصالح المواطنين ويحافظون على المعايير الأخلاقية. وفي المغرب، كان تعزيز النزاهة من العناصر الأساسية في أجندة مكافحة الفساد. وكانت الجهود المبذولة لغرس ثقافة النزاهة داخل المؤسسات العامة حاسمة في بناء حكومة جديرة بالثقة وخاضعة للمساءلة.

إن الجدارة مبدأ أساسي آخر في الحكم الديمقراطي. فهي تضمن أن تكون التعيينات والترقيات داخل القطاع العام على أساس المؤهلات والأداء وربط المسؤولية بالمحاسبة وليس المحسوبية أو الفساد. وقد قطع المغرب خطوات هامة للغاية في تعزيز الجدارة، وخاصة في التعيينات في القطاع العام. ولا يعمل هذا النهج على تعزيز الكفاءة فحسب، بل يعزز أيضاً ثقة المجتمع في المؤسسات الحكومية.

إن نجاح المغرب في مكافحة الفساد وتعزيز الحكم الرشيد له آثار أوسع نطاقا على القارة الأفريقية. وبصفته عضوا في اللجنة الأفريقية لمكافحة الفساد، تستطيع السيدة نادية عنوز الاستفادة من خبرتها للتأثير على سياسات مكافحة الفساد في مختلف أنحاء القارة. ويمكن أن تشكل تجارب المغرب نموذجا للدول الأفريقية الأخرى التي تسعى إلى تعزيز أطر الحكم الرشيد لديها.

إن مكافحة الفساد تشكل جزءاً لا يتجزأ من تعزيز المؤسسات الديمقراطية. وتثبت إنجازات المغرب أن التدابير الفعّالة لمكافحة الفساد من شأنها أن تؤدي إلى بناء أنظمة ديمقراطية أكثر قوة ومرونة. ومن خلال تقاسم نجاحاته وتحدياته، يستطيع المغرب أن يساهم في الجهود الجماعية التي تبذلها الدول الأفريقية في بناء هياكل حوكمة شفافة وخاضعة للمساءلة.

إن انتخاب السيدة نادية عنوز لعضوية المجلس الاستشاري لمكافحة الفساد التابع للاتحاد الأفريقي يشكل إنجازاً كبيراً للمغرب في العصر الحديث واعترافاً بنجاحه في مكافحة الفساد. ويؤكد هذا الإنجاز التزامه بالنزاهة والاستحقاق باعتبارهما عنصرين أساسيين للحكم الديمقراطي. ومع استمرار المغرب في الريادة بالقدوة، فإن تجاربه يمكن أن تلهم وترشد الدول الأفريقية الأخرى في جهودها لمكافحة الفساد. ويسلط التقدم الذي أحرزته المغرب الضوء على أهمية الالتزام المستدام والأطر القانونية القوية والمشاركة العامة النشطة في مكافحة الفساد، مما يساهم في نهاية المطاف في تعزيز المؤسسات الديمقراطية في جميع أنحاء القارة.

0 التعليقات: